… كان ينقص المشهد “سخوطه” لكي يكتمل، وها هو قد ظهر فتم الاكتمال، والحمد لله على نعمه الكثيرة!
من هو “سخوطه”؟!، قد تتساءلون، وما أهميته حتى يستحق افتتاحية في جريدة رصينة، بينما الناس غارقون في همومهم الثقيلة والمتعددة المصادر، سواء في لبنان أو في سائر الوطن العربي والعالم الغسلامي الذي تلهب جنباته الحروب الأهلية وتحالف الأكثريات الغربية على أقلياته في الغرب، حتى لا ننسى البوسنة والهرسك أو المهاجرين المغاربة في فرنسا وأنحاء أخرى من أوروبا العنصرية.
أما من هو “سخوطه”؟ فالجواب بسيط: إنه مستشار الشؤون الدينية لدى “رابطة العالم الإسلامي”، وهي – كما تصفها الوكالات الصحافية الغربية – منظمة دينية تمولها السعودية ومقرها مكة المكرمة.
اسمه الكامل: إسحق إدريس سخوطه،
أما أين ظهر؟ ففي القدس المحتلة التي وصل إليها أمس الأول، الأربعاء، وبينما “إسرائيل” تعيش أفراح عيد “استقلالها” أو “تحريرها” الرابع والأربعين،
وبرنامج “سخوطه” حافل: فرئيس الكيان الصهيوني حاييم هرتزوغ سيستقبله رسمياً يوم بعد غد الأحد، وهو سيلتقي أيضاً الحاخامين الأكبرين في إسرائيل التي سيمضي فيها أسبوعاً يتضمن جولة سياحية – ثقافية – دينية وسياسية بالطبع، تشمل، فيما تشمل، إضافة إلى مدينة درب الآلام والمسجد الأقصى وقبة الصخرة مدن يافا، عكا، طبريا والخليل.
من مكة المكرمة يجيء إسحق سخوطه إلى الأرض المقدسة حيث يقوم إسحق شامير بحراسة “الحرم الثالث”، منتدباً نفسه لمهمة جليلة شرحها بكلمات واضحة:
“إنني أريد أن يتمكن آلاف الحجاج المسلمين في العالم أجمع من زيارة المسجد الأقصى في القدس”.
“… ولسوف أروي للمسؤولين والمثقفين المسلمين والمسيحيين الأمور الإيجابية التي لمستها هنا”!!
البنادرة لا يضيعون وقتهم ولا يغفلون عن إتمام الواجب على أكمل وجه،
“لقد التزمنا، ولا بد ان نفي بالتزامنا، فنحن لم نتعود أن ننكل أو نرجع عما تعهدنا به. إن العهد كان مسؤولاً”.
على هذا فلقد جعلوا من أنفسهم سعاة بريد ومروجين للمفاوضات المباشرة مع “العدو” الإسرائيلي، وحين أزف الموعد لبسوا “الكفافي الحمر” وقصدوا إلى مدريد ليحيوا “زفاف الوصل في الأندلس”،
وها هم اليوم يقومون على خدمة مختلف اللجان الفرعية المنبثقة عن المؤتمر متعدد الأطرافن المنبثق عن مؤتمر مدريد، والمتمم للمفاوضات الثنائية، بل الضاغط من أجل إنجاحها،
وفي الطريق إلى هنا وهناك داسوا على حقوق أهلهم الضحايا في أرضهم وعلى مستقبلهم، وانحازوا ليكونوا سيفاً على الفلسطيني والسوري والأردني واللبناني بدل أن يكونوا سيوفاً في أيدي أشقائهم، وصاروا عبئاً ثقيلاً على حركتهم يستدرجونهم إلى مزيد من التنازلات والتفريط بحجة الانسجام مع النظام العالمي الجديد ومع محرر البشرية من الاستعباد جورج بوش.
… ولعله من باب الوفاء بالعهد أيضاً أن يوفد البنادرة خادمهم سخوطه إلى القدس الشريف تحت ذريعة الحجاج، استباقاً “للسلام” الآتي من تل أبيب بجميع مقتضياته وأبرزها التطبيع.
من قبل أوفد البنادرة بعض من لهم صلة بالأسرة السعودية فأحرجوا بعض “أصدقائهم” وأهاجوا بعض خصومهم، فاضطروا إلى النفي وإثارة غضب الإسرائيليين الذين “لم يعودوا أعداء فلماذا لا نربحهم كأصدقاء”؟!
أما اليوم فها هم يوفدون من هو أرفع شأناً بصفته لا باسمه، فباسم “رابطة العالم الإسلامي” التي مقرها مكة المكرمة يزور سخوطه الأرض المحتلة ويلتقي رئيس الكيان الصهيوني ثم الحاخامين الأكبرين كخطوة واسعة على طريق “الصلح” الآتي بين الرسالتين السماويتين اليهودية والإسلام!
وصحيح إن النظرة إلى هذه الرابطة كان ينقصها دائماً الاحترام، وإن كثيرين كانوا يرون فيها شبهات عديدة أخفها إنها ممولة من طرف السعوديين، ولكن أن يصل الأمر بها إلى إجراء اتصالات مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين فهذا يتجاوز أسوأ الظنون فيها وفي من أنشأها وقام على رعايتها وسمح لها بأن تتخذ من مكة المكرمة مقراً لها.
لقد “سخط” البنادرة سمعة العرب في الحرب، وها هم يسخطونها في “السلم”…
بل إن البنادرة يمسكون بزمام المبادرة ويصرون على أن يكونوا الطليعة في السلم بقدر ما كانوا الأخيرين في الحرب.
ورحم الله فيصل بن عبد العزيز الذي مات دون حلمه بالصلاة في القدس الشريف،
لكن حلمه كان يرتبط قطعاً بالتحرير وليس برهن بلاد العرب (والمسلمين) جميعاً لإرادة المحتل الصهيوني، والخضوع لإرادته وتسليمه مفاتيح النفط والمدن والحرمين الشريفين،
أما البنادرة فلهم رأي مختلف تماماً،
إنهم متعجلون تماماً، يريدون أن يستمتعوا بما بين أيديهم قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه.
وها طليعتهم “سخوطه” يفتح الباب المرصود مدشناً عهد “السلام الإسرائيلي” تحت راية الإسلام، والإسلام براء منه وممن أوفده.
… والسلام على من أتبع الهدى!