إذا كانت لقمة عيش اللاجئين الفلسطينيين في غزة لا تتوفر إلا في إسرائيل ومنها، فمن الطبيعي أن يطالب الإسرائيليون الشرطة الفلسطينية بأن تكون حرس حدود إضافياً لكيان “العدو السابق” والمعيل الحالي.
وليس صحيحاً الرقم الذي أذيع عن عدد ضحايا الاشتباك عند معبر “ايريز” بوابة قطاع غزة الذي لم يعد محتلاً، في نظر “المجتمع الدولي” الذي احتشد في حديقة البيت الأبيض بواشنطن لرعاية “السلام” الإسرائيلي – الفلسطيني ممثلاً باتفاق غزة – أريحا،
فالذين سقطوا شهداء أو جرحوا ليسوا ثلاثة وسبعين فلسطينياً، بل هم الخمسة عشر ألف فلسطيني الذين يعبرون كل يوم حواجز الاذلال الخمسة، عند “ايريز” سعياً إلى لقمة الخبز المغموسة بالدم والذل داخل الكيان الصهيوني.
ويمكن أن يضاف إليهم أيضاً عشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين لم تمنحهم “إسرائيل” الإذن بدخول كيانها والارتزاق من العمل كعبيد وأرقاء ينوبون عن “مواطنيها” من الدرجة الأولى في الأعمال اليدوية التي لا تليق بكرامة فقراء روسيا وبولونيا وتشيخيا إضافة إلى الفالاشا وسائر من نسبوا إلى اليهودية على عجل ليزيدوا من أعداد الإسرائيليين.
ولن يفيد المراقبون الدوليون الذين يطلبهم ياسر عرفات في تغيير الواقع القائم، هذا على فرض أن الأميركيين والإسرائيليين و”المجتمع الدولي” وافقوا على مطلبه غير الواقعي،
الحاجة إلى الاحتلال أكثر إذلالاً من الاحتلال نفسه،
ولا يملك عرفات الذي عاد بإذن من الاحتلال أن يعطي دروساً لأبناء شعبه البؤساء في ضرورة التمرد على أذون الاحتلال للعمل في خدمة الاحتلال.
فـ “الدولة” الوحيدة القائمة على الأرض الفلسطينية، حتى إشعار آخر، هي دولة الاحتلال، وهي مع الاسف صاحبة القرار، على الجميع، ولا مجال لرفض هذا الواقع إلا بامتشاق الدم، كما وقع بالأمس عند معبر “ايريز”.
الجزائر: صراع خارج الدولة
أخطر ما في الصراع الدموي المتصل والمتفاقم يومياً في الجزائر أنه يجري خارج “الدولة”، أو هذا ما استقرت عليه صورة الأحداث في ذهن المواطن العادي.
حتى من قبل أن يبدأ مسلسل قتل الرعايا الأجانب العاملين في بعض الشركات والمؤسسات الجزائرية.
وحتى من قبل أن تبلغ التطورات الدراماتيكية ذروتها الخطرة بحادث احتجاز أو قتل أو إخفاء السفيرين اليمني والعُماني في الجزائرن بقصد كشف ضعف”الحكم” وإثبات القدرة غير المحدودة لمعارضته “الأصولية”.
حتى من قبل ذلك كان الحكم قد خرج من “الدولة” بمنطقها ومفهومها الطبيعي وقرّر مواجهة خصومه بأساليبهم ذاتها، وبمزيد من القسوة، وبأسلحة أشد فتكاً لاسيما وأنها موسومة بسمة الشرعية و”الجمهورية الديموقراطية الشعبية”.
بل أن هذا الحكم قد خرج على “الدولة” وخرج منها حين ألغى الانتخابات التشريعية التي كان دعا إليها، قبل ثلاث سنوات، متصرفاً كطرف بل وكخصم للقوة السياسية التي أثبتت أنها “سيدة الشارع”، وبالتالي أنها القوة المؤهلة لأن “تأخذ” الحكم أو تشارك فيه بأقل تقدير.
ينقل عن أحد كبار القياديين في الحكم العسكري القائم بالأ/ر في الجزائر: “- لسنا مثلهم! إنهم متوحشون! إنهم يقتلون ضحاياهم ذبحاً من الوريد إلى الوريد، أما نحن فإن جنودنا يقتلون هؤلاء الخارجين على القانون برصاص بنادقهم”!
الفرق، إذاً، هو بين الذبح بالسكين وبين القتل برصاص البنادق،
و”الدولة” هي الضحية الأولى لمثل هذا الصراع الدموي.
ويبدو أن “الموضة” أو “الموديل” الأميركي المقرر لدول العالم الثالث عموماً، والأقطار العربية خصوصاً، هو حكم عسكري دموي يواجه حركات أصولية متطرفة ودموية، حتى تستنزف البلاد تماماً فيتلقاها أشلاء ممزقة، يرميها خلف ظهره ويتقدم إلى ما بعدها يلحقه (وقد يسابقه) الإسرائيلي مستعيناً بالسماسرة المحليين من رموز “الانفتاح” ورجال أعمال عصر السلام الذهبي!