لا “حولا” ولا “كفرحونة” إلا بالله!
.. والسؤال عن القرية الجنوبية الثالثة أو العاشرة التي قد يطرد الاحتلال الإسرائيلي أهلها، ضمن جهده الدؤوب لإثارة الفتنة وخلق البلبلة وتمزيق الوحدة الوطنية، وتلك هي “الرسالة” التي أراد إبلاغها إلى من يعنيهم الأمر في بيروت وعواصم أخرى معنية.
… والسؤال عن القدرة على المواجهة، وعن إمكان تعطيل هذه الخطة الإسرائيلية الجديدة التي تستهدف تحويل ورقة المقاومة من سلاح بيد لبنان (وسوريا) على سلاح عليهما،
إن الاحتلال يحاول وضع جمهور المقاومة كحاجز في وجهها،
إنه يحاول فرض مواجهة عبثية بين الضحايا والضحايا ليوفرلنفسه الهدوء والاستقرار في مناطق احتلاله، ولي ذراع المفاوض اللبناني (والسوري) بخلق أزمة اجتماعية جديدة لها أبعادها الوطنية الخطيرة،
فعبر عملية الاقتلاع والأبعاد و”الرسائل”، يتخذ الاحتلال من المواطنين الأسرى متاريس يتحصن خلفها، حتى إذا نشطت المقاومة كانت كمن يعاقب نفسه بالصدام مع أهله وجمهوره. كانت كمن ينحر نفسه بسيفه الذي صقله وأعدّه لعدوه.
مرة أخرى، تفرض إسرائيل على لبنان كله وضع الرهينة، وتطلب فدية لا يملك أحد أن يدفعها، ثم أن دفعها لا ينهي حالة الابتزاز المفتوح.
في السياق ذاته تتخذ إسرائيل من الأمة جميعاً رهينة مقابل الجندي نحشون واكسمان الذي تحتجزه حركة “حماس” لتبادل به الأسرى الذين تغص بهم السجون الإسرائيلية، وفيهم إضافة إلى الفلسطينيين مجموعة من اللبنانيين،
نحشون واكسمان مقابل أمة عديدها أكثر من مئتي مليون!
.. والأمة ملوك وسلاطين ورؤساء وأمراء ومشايخ يتسابقون إلى التنازل والتفريط، ويتطوع معظمهم للبحث عن نحشون ومطاردة خاطفيه!
ورئيس السلطة الذاتية (!!) يتعرض للتقريع والإهانة، وتفرض على مشيخته الإقامة الجبرية، وقد يصدر الأمر باعتقاله شخصياً ريثما يتم تحرير نحشون،
… وعلى الضفة الأخرى للنهر المقدس، يستضيف ملك السلطة الذاتية الأردنية إسحق رابين ومعه وزيره شيمون بيريز، في عشاء عائلي حميم، ويعرض خدماته في البحث والتقصي والتعقب سعياً لتحرير نحشون، ليس حباً بهذا الضحية البريء بل نكاية بياسر عرفات وكشفاً لركاكة أجهزة أمنه التي ركبت على عجل وبمن حضر من المتعاملين!
في هذه الأثناء، وفي الكويت المحررة للمرة الثانية بعد الألف، يقرر وارن كريستوفر إدانة الحصار وفرض الموت جوعاً على نحو من عشرين مليون عراقي ضماناً لإخضاعهم كلية ونهائياً لصدام حسين، بعيداً عن روح التمرد ومحاولات التخلص منه.
وصدام يحاول عبثاً إفهام الوزير كريستوفر أنه إنما حاول تحريك جيشه جنوباً للمساهمة في البحث عن نحشون وسعياً لتحريره والقضاء على خاطفيه الإرهابيين!
ومجلس التعاون الخليجي يلتئم على عجل ليناقش السبل الكفيلة بالتعجيل في تحرير نحشون، بعدما اطمأن إلى تحرير الكويت مجدداً، خصوصاً وقد تحركت أساطيل البحرين فأحكمت محاصرة المنطقة برمتها وأنذرت بأنها “ستضرب في المليان”!
لا “حولا” ولا “كفرحونة” إلا بالله،
وحكومتنا العائدة من جبهة الكويت لم تجد الوقت الكافي للاستراحة والتخفف من وعثاء السفر، وها هي تحزم حقائبها لتندفع برئيسها وسبعة من وزرائها إلى رومانيا التي قفزت قفزات مذهلة على طريق التقدم التكنولوجي بعدما تخلصت من دكتاتورها تشاوشيسكو، وصحيح أن سمعة الرومانيين ليست طاهرة تماماً، وذمتهم ليست ضيقة تماماً، ولكن أجهزة الكومبيوتر التي صنعوا فيظل الديموقراطية الوليدة أرقى بكثير من مثيلاتها اليابانية، وهي لا تقاس بالأوروبية أو الأميركية!
ولن نعرف غداً من يرشو من، ولكننا سنترحم بالتأكيد على باني رومانيا الحديثة، الذي أعاد إعمار بلاده بأبخس الأثمان فلم يدفع من كيسه إلا … الإنسان!
من يملك من الوقت فائضاً يصرفه على المبعدين من حولا، والآخرين الذين سيبعدون من سائر القرى التي يسترهنها الاحتلال الإسرائيلي؟!
فالوقت العربي ضائع بين العمل لتحرير نحشون والعمل لتحرير الكويت والعمل لتحرير رومانيا من ضائقتها الاقتصادية،
وفي فندق كارلتون ببيروت، كان “القوميون” يحاولون حجز مساحة لهم في “المستقبل الإسلامي” فيأبى عليهم “الإسلاميون” ذلك بذريعة أنهم يجب أن يدفعوا ثمن أخطائهم في الماضي.
وعبر النقاش المحكوم بالروح الثأرية كاد يضيع الحاضر ويكاد يضيع المستقبل أيضاً، لولا الإدارة الحكيمة للأمانة العامة للمؤتمرالقومي الإسلامي.
ولا “حولا” ولا “كفرحونة” إلا بالله!