رسالة الرئيس السادات إلى العقيد معمر القذافي، وبغير دخول في تفاصيل الاتهامات فيها والتهديدات تذكر بالرسائل التي كان يبعث بها الملوك والرؤساء المعادون لثورة 23 يوليو إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات.
ففي هذه كما في تلك تصبح الدعوة إلى الوحدة ضرباً من التآمر، ولا تعود حرباً على الانفصال والانفصاليين وأعداء الأمة من الساعين لتكريس التجزئة، وبالتالي التبعية للاستعمار ومناطق النفوذ.
ويصبح الداعية زعيم تنظيم “سري” يعمل “تحت جنح الليل” لقلب هذا الحاكم أو ذاك، وليس معبراً عن تيار شعبي ينتظم جماهير عربية عريضة في كل قطر تسعى بإرادتها الحرة للتغيير، من أجل غد أفضل.
ويصبح المؤمن بالدعوة مخرباً وعميلاً لجهات أجنبية، (ويفقد حق الانتساب إلى “الرعية” ما دام لا يطيع حاكمه بغير مناقشة، ولا يقبل كل ما يؤمر به أو يطلب منه، بلا اعتراض)..
وفي هذه كما في تلك تكبر الحادثة فتغدو قضية، وتجمع الحوادث بتفاصيلها المثيرة حتى تصير سداً يحجب عن المواطن الرؤية ويفقده القدرة على التوازن.. وتبدأ عملية خلط مريعة بين الحوادث التافهة والأهداف العظيمة، وبين التفاصيل السخيفة والشعارات النضالية، حتى تضيع القضية الأصلية تماماً وسط ركام من الحوادث والوقائع المتجزأة والتفاصيل التي تتسبب في إصابة المواطنين بنوع من الحول السياسي – إذا لم نقل العمى السياسي أو القرف من السياسة – يدفعهم دفعاً نحو التقوقع داخل صدفة “يصطفلوا” الشهيرة!
وفي هذه كما في تلك تبتر رؤوس الموضوعات المثارة وتترك جزئيات منها بقصد تضليل الناس ومن ثم تهيئتهم نفسياً لتقبل ما سيلي الرسائل من اجراءات وتدابير.
إن رسالة الرئيس السادات توحي وكأنه قد أمر فعلاً، أو أنه على وشك أن يأمر القوات المسلحة المصرية باقتحام حدود ليبيا واحتلالها لإسقاط النظام القائم فيها، أو أنه يراهن على طابور خامس موجود داخل ليبيا ومعد ومستعد للتحرك بقصد إسقاط ثورة الفاتح من سبتمبر وقيادتها.
وواضح إن الرئيس السادات يقاتل على أرض ليبيا، وفي شخص ثورتها وقائد ثورتها، كل المعترضين من العرب على الممارسات السياسية للنظام المصري منذ رحيل جمال عبد الناصر، ويقاتل خاصة كل الرافضين للنتائج السياسية التي انتهت بها حرب رمضان المجيدة لأنهم يرون في هذه النتائج تضييعاً لبطولات القوات المسلحة في مصر، وهدراً للتضحيات الجسيمة التي قدمها شعب مصر العظيم.
إنه يقاتل، هناك، كل عربي رفض المنظر المذل الذي جسمته خيمة الكيلو 101، ورفض التنازلات التي قدمت لكيسنجر، ورفض الاستقبال المستفز (قومياً) لنيكسون، ورفض الانفتاح الذي تحول إلى انبطاح أمام أهداف السياسة الأميركية في الأرض العربية.
ولأن القذافي، وحده، على رأس سلطة ويملك مقاليد الأمور في دولة، تركزت الحملة عليه، حتى إذا أسقط ضاعت أصوات المعترضين والرافضين في الهواء، ونعم الملوك جميعاً، والأميركان، بفترة هدوء تحتاجها أعصابهم المتعبة بفعل حرب رمضان والاحتمالات العظيمة التي ولدتها في المنطقة.
لكن القذافي ليس، في خاتمة المطاف فرداً،
تماماً كما أن جمال عبد الناصر لم يكن فرداً،
ومن هنا فإن المئة مليون عربي، الذين لم يتبلغوا الرسائل السابقة لم يتبلغوا الرسالة الجديدة،
ولعلهم، كما في الماضي، يصيغون الآن رسالة المستقبل.