على مدار الساعة، ومن مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تنطلق الشتائم لـ “الجنس” العربي والإهانات المقذعة يتبارى في ميدانها الرحب كبار الحكام وصغار الأتباع (وبينهم بعض البنادرة المتحدرين من أصل عربي)،
فالعربي هو المتخلف، الجبان، المسرف، القامع بلا خوف والمقموع بلا رغبة في التحرر، القاهر أهله والمقهور مع استسلام للقاهر الأجنبي، وهو المنافق، وهو كيس الرمل الذي يتدرب بلكمه الإسرائيلي (أو الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي أو التركي الخ)…
والعربي هو “الجعجاع” وهو “الفشار”، هو المدعي المغرور وهو الأمي الجاهل الذي لا يقرأ ولا يتعظ لأنه لا يستوعب التجارب،
العربي هو الذي يرفض بحماقة ثم يسعى زاحفاً متسولاً بعض بعض ما كان عرض عليه فيكون منطقياً الا يعطى لأن موازين القوى قد اختلفت،
العربي هو الإرهابي وغيره المناضب، هو القاتل (مع إنه المقتل) وغيره هو المكافح العنيد من أجل حقوق الإنسان، وباسمها يقتلعه من أرضه ويرميه للريح وعاصفة الصحراء تذوره كما رمال الربع الخالي عبر خطوط الطول والعرض،
… سلام عليك يا رائد الريفي!
سلام على زندك النصل، على كبريائك الأقوى من “المدفع العملاق” ومن صاروخ “كروز” أو “باتريوت” الذي تعرضه إسرائيل في المزاد العلني لشدة احتقارها العرب واستغبائها الأميركيين!
بعد فلسطين وسوريا ولبنان والعراق الدور على ليبيا، دون أن يشطب “الأوائل” من على قائمة الإرهاب،
مع “الدول” هناك التنظيمات الشعبية، وعنوانها الآن “الأصوليون” أو “الإسلاميون”، وهي تمتد كحبل الوريد من المغرب الأقصى إلى اليمن، مروراً بالجزائر وتونس ومصر والسودان وصولاً إلى الوهابيين الجدد المنتفضين على وهابيي ابن سعود القدامى.
أي أن الأكثرية المطلقة من العرب (العاربة والمستعربة) هي بين الإرهابيين،
الدول إرهابية، والأمة بمجموعها إرهابية، والقمع عملة رائجة في الداخل ومسوقة في الخارج،
فهل يبقى بعد ذلك من عمل أمام مجلس الأمن الدولي غير مكافحة الجنس العربي باعتباره مصدر الإرهاب ومصدره إلى أربع رياح الأرض…
المجد لك يا رائد الريفي،
تبارك اسمك، تباركت يمناك ويسراك، تباركت إرادتك الفرد التي هزت “أقوى قوة في الشرق الأوسط” هذه التي تقاتل ضد الإنسان في العالم كله، وتحتكر حقوقه جميعاً بدعاوى أسطورية بائدة منطلقها عنصري ومؤداها عنصري ونتائجها على الأرض عنصرية، إذ بموجبها يصنف العرب إرهابيين!
أتنتقم لأبيك المسفوح دمه، لأمك الأرملة، لإخوانك الأيتام، لأخواتك الثكالى، لأرضك المدنسة، لبحرك الذي سرق اليهودي زرقته وموجه ونورسه، ثم لا تكون إرهابياً ابن إرهابي أيها القوي الذاكرة الذي لما ينس إن غزة مثل يافا هي بعض فلسطينه العربية؟!
… لكن ليبيا ليست وحدها،
كذلك العراق الأبقى من صدام حسين، والمعاقب الآن بصدام حسين.
إن ليبيا هي، في هذه اللحظة، العرب جميعاً، وليست فقط معمر القذافي وثورة الفاتح والثلاثة ملايين مواطن عربي.
وهي مستهدفة لتأديب الأمة بها، وليس انتقاماً لضحايا جريمة فظيعة لعل العرب أول وأصدق من استنكرها لأنهم يعرفون معنى أن تكون ضحية، معنى أن يتم الاعتداء على الأبرياء والعزل من شيوخ ونساء وأطفال وصبايا ينسجن من أحلامهن صورة الغد الأفضل.
ولقد عبر الرئيسان حسني مبارك وحافظ الأسد، في مؤتمرهما الصحافي أمس بالقاهرة، عن هذا المعنى… فالاعتداء على ليبيا إنما هو اعتداء صريح ومباشر على الأمة العربية جمعاء، والعقوبات المنوي فرضها على ليبيا هي محاولة أخرى لتركيع العرب، بالتجويع كما بإرهاب السلاح، خصوصاً وإن هذه القطر العربي الغني قد فتح قلبه وأبوابه وصناديق ثروته للأمة جميعاً فلم يحتكرها حاكم أو عصبة من الأمراء والمماليك والجواري وشعراء السلطان يسفحونها في علب الليل وعلى موائد القمار.
لم يرتكب معمرالقذافي أياً من خطايا صدام حسين، فهو لم يرفع السيف في وجه أخوته باسم الوحدة، ولم ينهب خيراتهم باسم الاشتراكية وإنصاف الفقراء.
حتى المختلف مع القذافي لا يستطيع أن ينكر عليه وعلى ليبيا وشعبها ما قدمته لأمتها في مختلف ساحات نضالها من أجل طموحاتها المشروعة.
وحافظ الأسد وحسني مبارك لا يجاملان معمر القذافي، بل هما يجدان نفسيهما في الخندق ذاته، فهما والآخرون، بل والأمة كلها مستهدفون بهذا الاعتداء الغربي الجديد الذي يثبت الآن كما في الماضي إن “العربي” كإنسان وليس حاكمه هو المدان سلفاص وهو المعاقب على جريمة لم يرتكبها بل هي بعض نتاج الممارسة الغربية عموماً والإسرائيلية خصوصاً في كل أرض.
… ويا رائد الريفي المشرّف بفلسطين والمشرّف كل عربي بانتسابه إليك: تبارك اسمك، تبارك فعلك، تبارك دمك الذي روى أرض يافا وأعاد إلى بحرها زرقته ونورسه،
ولن تكون وحدك، وإن خضت حرباً هائلة بأصابعك العشر وحدها، ولن تكون الأخير في قافلة الذائدين عن شرف الأمة والمؤكدين جدارتها بالحياة.
أنت الرائد في أمة رائدة،
و”إن لله رجالاً متى أرادوا أراد”.