“القمة العربية” هي “المُبعدة” و”المستبعدة” والتي صارت بلا أرض ولا أهل وربما بلا مستقبل!
إنها في وضع مشابه لوضع هؤلاء المجاهدين الفلسطينيين الذين اقتلعهم الاحتلال من أراضيهم وطردهم إلى خارجها، فلا هم يقبلون غيرها مقراً ومستقراً، ولا غيرها يقبلهم ولو كممراً أو معبر للعودة إليها!َ
“القمة العربية” لا تملك حتى خيمة في ذلك الوعر المثلج والعاري كما الموت في السديم بين زمريا ومرج الزهور.
إنها أشد بؤساً من المقتعلين من أرضهم.
ولولا “المصادفة” لما فكر فيها أحد، ولما عادت سيرتها إلى التداول.
فبين كل قطرين عربيين مشروع حرب مقبلة، أو بقايا ذكريات سود لما تنطفئ نارها تماماً.
وداخل كل قطر عربي مشروع حرب أهلية.
وبين العربي والعربي ثالث أميركي وأحياناً رابع إسرائيلي.
وإسرائيل تعطي لنفسها حق التصرف وكأنها عضو في جامعة الدول العربية والمؤسسات المتفرعة عنها كميثاق الدفاع المشترك (؟!) والوحدة الاقتصادية (؟!) والسوق العربية المشتركة (؟!)…
بل لعلها أقوى حضوراً من ذلك، فهذه المواثيق والمؤسسات بقيت في الغالب الأعم حبراً على ورق.
أما إسرائيل فقد غدت “عضواً” أصيلاً معنياً بمختلف الشؤون العائدة للمنطقة برمتها من خلال مشاركتها في المفاوضات المتعددة الأطراف، الجارية في إطار “مؤتمر السلام”، والتي تشمل أبحاثها مصادر المياه والطاقة ومسائل البيئة وصيغ التعاون الاقتصادي والثقافي والإعلامي والاجتماعي… الخ في مرحلة ما بعد “الصلح” الآتي بقوة النظام العالمي الجديد الذي أنتجه تفرد الولايات المتحدة الأميركية بالهيمنة على الكون.
وليست ضرورية استعادة الشريط المتفجر بؤساً لأوضاع الدول العربية من المحيط إلى الخليج، فالحروب الثنائية أو الأهلية هي العناوين اليومية لصحف الحقبة السعودية وإذاعاتها المرئية والمسموعة، سواء أتلك التي في السوق أم تحت التأسيس…
والقمة العربية قرار أميركي.
فهل يعقل أن تتخذ واشنطن – المعطلة قراراتها بالمرحلة الانتقالية – مثل هذا القرار الذي قد يعيد بعض الروح إلى مؤسسة تقرب بين العرب المتباعدين والذي يفضل تباعدهم إلى حد الاقتتال أمكن اطلاق “عاصفة الصحراء”، ومن بعدها فرض الحصار على ليبيا، ثم إتمام الغزو الإنساني الهادئ للصومال؟!
إن القرار الذي اتخذه إسحق رابين بطرد الأربعماية فلسطيني من أرضهم يكاد يعني، في جملة ما يعنيه، إنه “أقوى نظام عربي” على “رعاياه العرب”!
لقد تصرف مع هؤلاء “الرعايا” بطريقة مماثلة لكيفية تعامل أي نظام عربي مع معارضيه: حرمانهم حقوقهم كافة وشطبهم من قائمة الأحياء.
قد يختلف “الشكل” لكن المضمون واحد: لا مكان لمعارض أو معترض، سواء أبالقلب أم باللسان أم باليد، فكيف إذاً كان في اليد حجر أو كان فيها سكين أو مسدسد أو مدفع رشاش؟!
ثم إن العرب قد نفضوا أيديهم من فلسطين كلها، قضية ومصيراً، فلماذا سيهرع ملوكهم والرؤساء إلى التلاقي للبحث في مصير أربعماية “إرهابي” من أبنائها الذين خرجوا على طاعة ولي الأمر فيهم؟!
… والطقس شتاء، والثلج يغطي الجبال والسهوب والهضاب ويرقش بالأبيض الشواطئ البحرية، وهذا موسم “رشوحات” وأنفلونزا والعياذ بالله؟!
لقد قالها بيريز صراحة لبعض المسؤولين العرب: “إن هؤلاء إرهابيون تماماً كأولئك الذين تطاردونهم بالرصاص في الشوارع وتقتلونهم، فلماذا تحرّمون على غيركم ما تحللونه لأنفسكم”؟!
ووقاحة بيريز مستمدة من تصرف أولئك القادة العرب، وليس من شعوره بالتفوق في القوة على الذين اقتلعهم بقوة الحراب وطردهم من أرضهم.
طبعاً من حق لبنان، بل من واجبه أن يدعو إلى قمة عربية طارئة، كائناً ما كان أمله في إمكان انعقادها.
…خصوصاً وهو مسلح الآن بأن “حفظه الله” قد تعهد وأعطى وعده الملكي بأن يكافح لتنفيذ القرار 425.
الآن بات على “حفظه الله” أن يكافح لتنفيذ القرار 799 أيضاً.
والقادر على واحد قادر على اثنين، وذمة الملوك واسعة جداً.
برغم هذا فثمة بقايا أمل لدى اللبنانيين وسائر العرب بأن تستطيع المأساة القومية الجديدة، ممثلة بهؤلاء المجاهدين الذين اقتلعهم الاحتلال من أرضهم وأبعدهم عن أسرهم وبيوتهم، في أن تقرب ولو قليلاً بين حكام العرب المتباعدين إلى حد القطيعة والحروب، معلنة أو مضمرة،
إن “المبعدين” فعلياً عن قضاياهم هم المائتا مليون عربي،
… والبعيدين فعلياً عن قضايا أمتهم هم هؤلاء الحكام الذين لم تعد تهزهم أية نكبة قومية، خصوصاً وقد تحولوا إلى أسباب نكبات جديدة هم الذين جاءوا إلى الحكم نتيجة لنكبات سابقة.
والقمة العربية هي أبعد الاحتمالات، بل إنها تكاد تكون بعض المستحيل.
وليست القمة ضرورية، بحيث يتعذر عمل أي شيء إذا تعذر انعقادها… فالمطلوب أقل من ذلك بكثير:
يكفي أن يتفقوا على موقف من المفاوضات، الثنانئية أو المتعددة.
يكفي أن يتلاقوا على التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يكفي أن يخرجوا بقرار كمثل تشكيل وفد مشترك للتمني على واشنطن ألا تسمح لحكومة “السلام” الإسرائيلية بقيادة الجنرال رابين بأن تذلهم أكثر.
يكفي أن يتفقوا على أي شيء، أي شيء، حتى ولو كان قرارهم إعدام هؤلاء المقتلعين من أرضهم حتى لا يظلوا مشكلة تؤرق لياليهم ونهاراتهم؟
(أتراها فعلاً تؤرقهم؟!)
المهم أن يتلاقوا، على أي مستوى، فيتفقوا على أي شيء، أي شيء بالمطلق، لعلهم بذلك يمنون على رعاياهم بتجنب المزيد من الحروب الداخلية.
المهم أن يتلاقوا لو كان الثمن اتفاقهم (العلني) علينا.
ولو…
ألا يمكن الاتفاق إلا على مستوى وزراء الداخلية وأمن النظام؟!
وهل شطبت إسرائيل نهائياً كمصدر خطر (ولو محتمل) على النظام العربي؟!