ليست القضية في اختفاء الإمام موسى الصدر أو انقطاع الاتصال معه ومع مرافقيه منذ أسبوعين.
الإمام الصدر هو القضية.
والذين أخفوا موسى الصدر وغيبوه وأسدلوا هذا الستار الكثيف من الغموض على مصيره هم المتآمرون ليس فقط على شخصه وما يمثله بالنسبة لطائفته وبلده، بل إلى ما يرمز إليه وما يجسده من قيم وتوجهات في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة العربية خاصة، والمسلمين وشعوب العالم الثالث المضطهدة بشكل عام.
ولقد كانت هذه المعاني بارزة وواضحة تماماً في الإضراب الوطني العام الذي عاشه لبنان، يوم أمس، تعبيراً عن قلقه على مصير الإمام الصدر ومرافقيه.
فالإضراب الرائع، في سلميته وفي شموله وفي مناخه الوطني، يشكل حماية وضمانة لبعض ما يرمز إليه الإمام الصدر في شخصه كما في موقعه، أي للدور الوطني لرجل الدين، في هذه المنطقة، وفي هذه المرحلة الحساسة بالذات.
كذلك فإن هذا الإضراب، بمام هو مطالبة شعبية واسعة بضرورة الوصول إلى الحقيقة في موضوع انقطاع الاتصال مع الإمام الصدر، وإعلانها مدوية، يعكس معرفة الجماهير بهوية المتآمرين على سلامة الصدر ومن وما يمثل داخل لبنان وخارجه.
فلقد أدركت الجماهير بحسها العفوي الصادق إن الغموض في هذا الموضوع هو جزء أساسي من المؤامرة، ولهذا لم تلح على شيء كما ألحت على ضرورة إنهاء الغموض، بأي ثمن وبأسرع وقت. فالظلمة ضمانة المتآمر والداعي إلى الفتنة والعامل للتفجير، أما نور الحقيقة فهو سلاح أساسي للوطني والتقدمي، وللمناضلين عموماً في كل زمان ومكان.
وحين انتظمت الجماهير في مسيرات تطالب بالحقيقة في بيروت وصيدا وصور وبعلبك وطرابلس وسائر أنحاء لبنان، كانت واثقة كل الثقة، من أمر محدد وهو:
إنه لا يمكن لجهة وطنية أن تسيء لمرجع وصاحب دور مميز مثل الإمام موسى الصدر: مطلق الصرخة الأولى باسم أهل الجنوب والمعبر الأوضح عن آلامهم، ناسج العروة الأوثق في التحالف النضالي القائم بينهم وبين أخوانهم الفلسطينيين، موصل صوت المكافحين والمجاهدين في إيران ضد السلطة الغاشمة هناك، المارقة من الإسلام، المعادية للعرب وقضاياهم بقدر عدائها لشعب إيران وطموحاته في التحرر وفي العودة إلى أصالته الإسلامية.
وبالتأكيد فحين تطالب هذه الجماهير كل جهة عربية معنية بأن تعمل ما تستطيعه لكشف ملابسات حادثة اختفاء الإمام الصدر ومرافقيه، وتحديد مكان تواجدهم، فهي إنما تفعل ذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة، وإنهاء الغموض المريب الذي يتضرر منه الوطنيون جميعاً، وكل طرف وطني بنسبة وطنيته.
وبهذا المعنى فإن المطلوب من العواصم العربية المعنية، وأولها طرابلس باعتبارها كانت دار ضيافته ومحطته الأخيرة، إن لا تتوقف عن تقديم معلوماتها الرسمية، بل إن تجند كل طاقاتها وأجهزتها وقدراتها ونفوذها في هذا البلد أو ذاك، من أجل الوصول إلى الحقيقة.
إن موسى الصدر هو القضية،
هذه أبرز حقائق الإضراب الرائع الذي لم يكن شيعياً فحسب، ولا حتى إسلامياً شاملاً فحسب، بل وطنياً بكل ما للكلمة من معنى، إذ أكد إرادة اللبنانيين في تجاوز ونبذ كل من وما يقسم ويفرق بينهم، وهكذا تجمعت العواطف الوطنية والعواطف الدينية من حول موسى الصدر: رجل الدين صاحب الدور الوطني، وصاحب المنهج المتقدم في المجال الاجتماعي من خلال تحسسه بآلام المحرومين وتبنيه لقضيتهم العادلة، ضمن منظوره الخاص ومفهومه الخاص لهذه القضية.
إن موسى الصدر هو القضية،
وهو بهذا المعنى أكبر من الإضراب، والتأثيرات الإيجابية لدوره الوطني كرجل دين تتجاوز حدود لبنان، بدليل برقيات القلق على مصيره التي تهاطلت من قيادات الانتفاضة الشعبية في إيران مثل روح الله الخميني وآية الله شريعة مداري، ثم بدليل الضجة العالمية التي ولدها تغييبه.
فليكن هدفنا جميعاً، إذن، أن نصل إلى الحقيقة وأن نعلنها، خدمة للبنان وللعرب وللمسلمين، خدمة للجو النضالي الممتاز الذي تعيشه الطائفة الشيعية: حزب المحرومين الأكبر وخدمة للتلاحم الثوري العظيم بين الوطنيين في لبنان، والمقاومة الفلسطينية “الشيعية” في الكثير من ملامحها ومطالبها ومواطن حركتها.
والقضية، إذنن هي موسى الصدر، بقدر ما القضية هي الحقيقة.