الخارطة العربية ناطقة: فالعدز يكاد يتحول، شيئاً وشيئاً، من حالة شاذة وعارضة إلى واقع يكتسب تدريجياً صفات الثبات والاستمرار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير.
وصحيح أن فرض العجز على العرب هو خطة أميركية – إسرائيلية، ولكن السؤال يبقى مشروعاً عما فعله العرب لضرب هذه الخطة، والتحرر من إسارها بدلاً من الغرب في حالة اليأس والقنوط التي يعيشها عشرات الملايينبين المحيط والخليج.
إن ركائز الخطة واضحة لمن أراد أن يراها، بل حتى لفضولي يتابع الأحداث بشيء من الدأب واستشفاف النتائج.
بين هذه الركائز أن تنشغل كل دولة بنفسها وهمومها الداخلية فتنصرف عما حولها، وبالتحديد عن الميدان الأساسي، أي المعركة القومية التي يتقرر فيها الحاضر والمستقبل : المصير والوجود.
ويمكن الوصول إلى هذا الفرض عن ثلاثة طرق:
1 – أن تفتعل لها سلسلة من المتاعب الداخلية ، انطلاقاً من استغلال بعض القضايا المعلقة والمزمنة، فيها، أو بتفجير أنماط من الصراعات القبلية أو الطائفية أو الجهوية (حتى لا ننسى السودان).
2 – أن يزين لها طريق التنمية والبناء الداخلي بوصفه “البديل” الاستراتيجي عن مقولات التضامن العربي وسائر أشكال العمل العربي المشترك… فعيوب القيادات العربية التي رفضت ولاتزال ترفض الإطار القومي (النضالي بالضرورة) نسبت زوراً وبهتاناً إلى الأمة ذاتها وإلى الشعارات السليمة وإلى التراث النضالي لهذه الأمة المجيدة.
3 – أن تفتعل أسباب للقطيعة بين نظامين متنافسين ثم تزكى هذه الأسباب وينفخ في نارها بحيث تنفجر بين القطرين حرب يدفع ثمنها مواطنو الدولتين المعنيتين… وتسقط في لجة هذه الحرب، أول ما تسقط، رايات الوحدة والتطلعات المشروعة إلى غد عربي،أفضل.
وإذا جال الواحد منا ببصره في الخارطة يكاد يجد خندقاً من الدم يفصل بين كل قطر والآخر، من موريتانيا والمغرب إلى المغرب والجزائر إلى ليبيا ومصر في ظل السادات، وصولاً إلى شطري اليمن السعيد.
وباختصار شديد يمكن الإشارة إلى أن اليمنين مشغولان – إضافة إلى الفقر والتخلف ونقص الموارد – بمحاولات السعودية المستمرة لاحتوائهما والسعودية المشغولة أسرتها الحاكمة بالمناورات الأميركية المتصلة لإضعافها تبرر “نشاطها” في اليمنين بالخوف على ذاتها، والعراق مشغول بمعركة ضد “الفرس” وسوريا مشغولة بهمومها الداخلية التي تغذيها وتضخمها رياح خارجية (معظمها عربية) والجماهيرية بالاعتداءات الساداتية (تلك التي وقعت أو تلك التي يدبر لها الآن)، وتونس بتركة بورقيبة الثقيلة، والجزائر بالبوليزاريو والمسألة العرقية وعدم النجاح في خطط التنمية التي بنيت أساساً على قاعدة قطرية يستحيل نجاحها في ظل منطق العصر ودوله العظمى والتكتلات الدولية الضخمة.
أما الفلسطينيون فيعانون من ثقل انعكاس هذا الواقع العربي عليهم وعلى قضيتهم، ويعيشون إحساساً خانقاً بالحصار فتأتي بعض ردود أفعالهم عصبية ومن طبيعة تكتيكية متعجلة، لعلها تحفظ لهم ما يمكن من التوازن.
… ويبقى لبنان ووضعه فضاح لطبيعة الواقع العربي القائم: فإسرائيل تنهش من لحمه يومياً، أما مباشرة وأما بتأمين استمرار أجواء الحزب الأهلية، ولا من مغيث بين العرب أو مجير!
وهكذا تبقى المبادرة في يد أعداء الأمة: من الإمبريالية الأميركية إلى العدو الإسرائيلي ومن معه في المنطقة، بدءاً بالسادات مروراً بسعد حداد وانتهاء بآخر عنصر مضلل في الميليشيات التي تحسب نفسها صاحبة قضية ومقاتلة من أجل طوائفها ويحسبها التاريخ في عداد الخارجين على أوطانهم .
…. والعديد من القيادات العربية ما يزال ينتظر حلاً من واشنطن، أو من أوروبا أو مما بينهما!
كأن هذا الواقع العربي “يغري” أحداً بأن يقدم حلاً (هذا بعد استبعاد احتمالات الفرض)!!
والحل؟!
الحل أن نجد نحن الحل،
الحل في أنفسنا،
الحل في أن نقرر أن نكون، فنقاتل من أجل أن نكون.
الحل أن نتجه إلى العدو بما يجب أن يتجه به الإنسان إلى عدوه: بإرادة القتال، وبالقتال نفسه.
وعندها فقط، وليس قبلها، يجيء الحل… حتى “الحل السلمي” أو “التسوية” التي ظنها البعض بديلاً عن الحرب، فكانت النتيجة أنها خلقت له وللأمة حروباً داخلية لا تنتهي من غير أن تقربه خطوة مما يريد، بل أنه اليوم أبعد عنها – وبالتأكيد – من أي يوم مضى، مهما كابر وظل يوهم نفسه بالعكس.
نقاتل العدو او يجعلنا نقاتل أنفسنا،
ذلك هو الخيار المطروح، اليوم وغداً وبعد غد،
وبمقدار ما نتأخر في حسم الخيار يصبح صعباً علينا الوصول إلى حل… أي حل!
فهل نبدأ بمعركة حقيقية ضد السادات لا تتوقف إلا بإسقاطه واستعادة مصر؟!