الاستقلال ممارسة، وليس مجرد أناشيد واحتفالات وشعارات جميلة الصياغة..
وبهذا المعنى تبدو الأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة في حجمها الطبيعي: ممارسة استقلالية التزم بها رئيس جمهورية لبنان فكان الرد الأميركي عليها انتقاصاً مقصوداً لاستقلال لبنان، وليس حكاية احتجاج لبناني على خطأ بروتوكولي ارتكبته إدارة المراسم في البيت الأبيض.
ذلك إن السبب الكامن وراء الخطأ البروتوكولي، والذي تمثل في إصرار الرئيس الأميركي فورد على أن يتم اجتماعه بالرئيس سليمان فرنجية قبل بلوغه الأمم المتحدة لإلقاء خطابه “الفلسطيني” أمامها، يعكس استهانة “أقوى دولة في العالم” بلبنان الذي يكاد يكون “أصغر وأضعف دولة في العالم”.
ومن الطبيعي أن تشمل الإهانة التي لحقت بلبنان التسعة عشر ملكاً ورئيساً عربياً الذين انتدبوه لتمثيلهم وللتحدث باسمهم من فوق أعلى منبر دوليز
والممارسة الاستقلالية تتجلى في أن سليمان فرنجية لم يصدع للشرط الأميركي، بل استمر ملتزماً “بالمهمة القومية المقدسة” التي انتدب لها، فصان بذلك ليس فقط كرامة لبنان، بل أيضاً كرامة التسعة عشر ملكاً ورئيساً عربياً، وقبلهم جميعاً كرامة القضية التي ذهب بدافع عنها: فلسطين.
وهكذا تتأكد، على الطبيعة، وبالممارسة الحية، تلك الحقيقة البسيطة التي تقول إن استقلال لبنان يتأكد بمقدار ما يقترب من فلسطين وينصهر فيها.
ذلك إنه بمقدار ما تتزايد “فلسطينية” لبنان تشتد عليه الهجمة الإمبريالية – الصهيونية، فتضربه إسرائيل وتتخلى الولايات المتحدة عن “التزامها الأدبي بحمايته”، تأديباً له وضرباً للاتجاه “المتطرف” فيه!
فالانتماء إلى فلسطين قضية نضالية، وتأكيد هذا الانتماء والالتزام به لا بد أن يجر إلى تصادم مع أعداء فلسطين – القضيةز
على هذا فإن ما حدث في مطار كيب كيندي في نيويورك لا يختلف كثيراً عما حدث، في اليوم التالي، في النبطية: فإسرائيل كانت هنا وكانت هناك، بمقدار ما لبنان كان المعتدى عليه هنا وهناك.