من حق أي مواطن عربي أن ينكر أن تكون “مصر السادات” هي “مصره”، وأن يتبرأ من الممارسات السياسية التي تصدر عنها هذه الأيام، يستوي في ذلك مسلكها إزاءقضية مصر الوطنية، ومسلكها إزاء قضايا النضال العربي عامة.
فمصر السادات لم تكتف بالانسحاب من ساحة النضال من أجل مستقبل عربي أفضل، وبمصالحة الاستعمار والإمبريالية وفتح الباب على مصراعيه للنفوذ الأميكي، بل هي انتقلت من موقع القاعدة والحصن لحركة النضال العربي، إلى موقع التواطؤ مع الأعداء على هذه الحركة وأهدافها العظيمة في الحرية والاشتراكية والوحدة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مصر السادات التي عرضت إيفاد الجيش المصري إلى السعودية للدفاع عن عرش عبد العزيز ضد أي خطر يتهدده (ومفهوم أي “خطر” يمكن أن يهدد هذا العرش، وكل عرش)، مصر السادات هذه تعمل بلا كلل أو ملل لإسقاط النظام الثوري في الجمهورية العربية الليبية.
ففي أخبار القادمين من طرابلس ما يفسر انتقال الرئيس أنور السادات وكل “الدولة” في مصر إلى الصحراء الغربية المحاذية للحدود الليبية، ومكوثه فيها فترة من الوقت، متنقلاً في الواحات مجتمعاً إلى شيوخ القبائل المنتشرة في واحاتها والتي لها امتداد داخل الأراضي الليبية: لقد كان الرئيس السادات ينتظر “حدثاً” ليبيا يخلصه من كابوس معمر القذافي!. ومهدت أجهزة الأعلام المصري بقصف مركز ضد ليبيا استغرق الشهر الماضي كله، دون أن يكون له سند من الوقائع، ودون أن يكون للتفسير في ضوء مجريات الأحداث وحدها.
ثم إن مصر السادات تلعب، عملياً، دوراً مؤذياً بحركة المقاومة الفلسطينية، ومخرباً للجهود المبذولة من أجل تحقيق وحدتها وتدعيم هذه الوحدة.
ويكفي، في مجال الاستشهاد، أن نذكر بالنداء الشهير الذي وجهه الرئيس السادات إلى الشيخ بيار الجميل بينما أيدي الكتائبيين ملطخة بدماء الفدائيين،
هذا إضافة إلى الدور التخريبي الذي تلحقه الممارسات المصرية الراهنة بالقضية الفلسطينية ذاتها،
وإضافة إلى ما يلحق بسوريا، بعد فلسطين، من أذى نتيجة لتفرد الحكم المصري ولتخليه عن واجباته القومية، ولتفريطه بالتراب الوطني المصري ومن ثم بكرامة الأمة العربية وسيادتها وما تحقق لها بكفاحها المرير من استقلال وتحرر.
إن كل وطني في أربع رياح الأرض العربية يدفع وسيدفع، من دمه وهناءة عيشه وطموحاته إلى مستقبل أفضل لأولاده، ثمن المسلك المفرط والمنحرف الذي ينهجه الحكم المصري.
أن تغيب مصر عن ساحة النضال العربي مؤامرة على أطفالنا وعلى الأجنة الذين لا يزالون في الأرحام،
وأول نتائج هذا التغيب أن ينقلب حكم مصر من قائد ورائد للنضال العربي إلى حكم معاد لأهداف النضال العربي، ورموزه المضيئة، متآمر على الأنظمة والأحزاب والأشخاص المعترضين على نهجه وهم هم المنتظمون في صفوف المقاتلين ضد الإمبريالية والصهيونية والاستعمار والرجعية، وبالتالي إسرائيل.
وفي ضوء هذه المعطيات جميعاً تبدو صفقة الاتفاق المنفرد والجزئي والمؤقت مع إسرائيل، وبواسطة الولايات المتحدة الأميركية ولحسابها، في صورتها الكاملة: مؤامرة حقيقية على كل ما حققه العرب في نضالهم منذ ستين سنة وحتى اليوم، ويصبح التصدي لها والعمل لإفشالها مهمة كل إنسان عربي.