قالتها إسرائيل بصراحة جارحة: إنها لا تريد أن تمس التوازن الطائفي في لبنان! لأنها لا تريد إسقاط حكومة بيروت!
ولا يحتاج الأمرإلى اجتهادات وضرب بالرمل “لاكتشاف” أن التوازن الطائفي، وكل من وما هو طائفي، يخدم بالنتيجة إسرائيل ويشكل ضمانة ليس فقط لأمنها وإنما أيضاً لمشروعها الإمبراطوري الذي جمدته حرب رمضان المجيدة.
والعشائرية والقبلية والمحسوبية والفساد عموماً، مثله مثل الطائفية في هذا المجال: يخدم إسرائيل مباشرة، وأكثر بكثير مما يخدم المنتفعين بهذه الأمراض والمتاجرين بها والمتذرعين بها بل المحاربين بسلاحها لمنع تحول أقطارنا إلى أوطان.
لقد قالتها إسرائيل بلسانها: إن الوطن يخيفها، أما الطائفية فتطمئنها ولذا فهي تحرص عليها حرصها على وجودها.
وليس بالتوازن الطائفي يقوم لبنان ويبقى، وإنما بالانصهار الوطني،
وفي غياب الوطن سيظل لبنان “كياناً” مركباً من مجموعة أجزاء،
ولا يضير لبنان الكيان أن يغدو بلا جنوب، مثلاً، أو بلا شمال، أو بلا بقاع،
فالكيان يمكن أنيقوم على مساحة صغيرة جداً من الأرض، مساحة بحجم طنجة سابقاً وهونغ كونغ حالياً: شبر من الأرض على شاطئ بحر مفتوح على العالم الفسيح حيث تمحى الحدود، وتذوب الإقليميات وتغرق القيم وطنية كانت أو دينية أو خلقية.
الكيان حدوده الكون والقاطن فيه “إنسان” بلا وطن لأن وطنه العالم: منيرضى بأن يحصر نفسه بين شمال وجنوب وشرق وغرب؟!
أما الوطن فحدوده الدم والرصاص والشهادة والصدام الحتمي مع أعداء حقيقيين لأرضه بترابها وشجرها، طالما ظلت له، ولبحره وساحله وجبله، ولبشره جميعاً الكيانيين منهم وغير الكيانيين.
لقد قالتها إسرائيل ألف مرة، وها هي تعيدها مع كل صباح: أنا أو أنتم في هذه الأرض!
… لكن الكيانيين لا يزالون يهيمون في ضباب رعبهم من الوطن فلا يسمعون ولا يعون، ويأملون بأن ينالوا من إسرائيل ذلك الشبر المفتوح على بحر مفتوح على قراصنة العالم، مقابل أن يتخلوا لها – بهدوء – عن الجهات الأربع وليس عن الجنوب وحده!
ومن عجب أن الوطن هو الذي ينمو الآن، في ضمير المواطن اللبناني، على حساب الكيان ومشروع الإمبراطورية الإسرائيلية.