طلال سلمان

على الطريق “مماليك النفط” و”الدولة المركزية”!

قدّمت إسرائيل نفسها عبر “المؤتمر الاقتصادي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في الدار البيضاء، في الصورة “الجديدة” التي طالما تمنتها لدولتها ولمجتمعها الصناعي المتقدم، والتي حاولت جاهدة تعميمها على الدنيا، فكان المؤتمر فرصتها المثالية: “الحكومة المركزية” لهذه المنطقة الشاسعة والغنية والمهمة استراتيجياً والتي تكاد تكون بلا دول، على تعدّد الحكومات وتسامي ألقاب الحكام فيها!
وحدها، تقريباً، ومع استثناء الأميركيين والأوروبيين، جاءت إلى المؤتمر الذي نظمته جماعات الضغط اليهودية في الإدارة الأميركية، ورعاه “أمير المؤمنين” سليل الأسرة العلوية، وإرث الخليفة الفاطمي في المغرب، بمشاريع وأوراق عمل واقتراحات محددة ومعها الشركات المؤهلة والقادرة والجاهزة للمباشرة بالتنفيذ!
أما “الدول” العربية المشاركة، ولو بوفود “رمزية”، فقد انكشفت على حقيقتها: لا خطط لديها ولا تصورات ولا أفكار أولية لمشروعات.. لا هي قد أعدت نفسها “للسلام” الذي طالما تمنته وسعت إليه بأية شروط، ولا هي تملك الإرادة أو الأدوات اللازمة للصمود والمقاومة لآثار التطبيع والاجتياح الذي سيعقب “السلام”، وبغض النظر عن طبيعته وانطباق التسمية على مضمونه وعلى تأثيراته المباشرة على الواقع المعيش.
في المقابل، وعلى عكس إسرائيل – الدولة والشركات – فقد تميّز الحضور “العربي” بأنه حضور أفراد، وإن اتخذ شكل “الشركات” الفردية أو العائلية أو بين أعضاء العصابة أو البطالة الواحدة من أتباع “الشيخ زنكي”.
وبشكل عام، فقد كانت هناك كتلتان: إسرائيل، الدولة صاحبة المشروع المستندة إلى الرعاية الأميركية بل الدولية المعززة بالنفوذ اليهودي في كل مكان وفي كل مجال، والمعززة بالتجارب الغنية للوكالة اليهودية التي “اختلست” بعض فلسطين من أهلها العرب، قبل العام 1948، عبر “الشركات” العديدة والمتكاملة الاختصاصات،
أما على الضفة الأخرى فكان التمثيل “الحكومي” العربي “شكلياً” و”رمزياً”، في حين كان حضور الأفراد المتسترين تحت قناع المؤسسات أو شركات “الشيخ زنكي” إياها، ملحوظاً ومؤثراً وعميق الدلالات.
إنهم “مماليك النفط”!
إنهم “الحكومات الرديفة” أو “البديلة”،
إنهم الحاكمون من خلف الحكام، ومن دون أن يتحملوا أية مسؤولية عن إخفاقات الحكم وقصوره، إنهم جماعة “مات الملك، عاش الملك”، وبغض النظر عن اسم “البائد” و”الوريث”.
وهم “المصالحون” من قبل “الصلح”، المعاهدون من قبل توقيع المعاهدات، المتبرعون بالأرض العربية ومواردها بما فيها الماء والنفط حتى حيث لم تطلب ولا ترغب إسرائيل في التملك أو في “الإدارة الحرة”.
إنهم “الخويان” ، النهابون و”الهباشون”، البلا وطن، البلا ولاء لأية قضية أو قيمة، المتاجرون بأحداث أجدادهم كما بمستقبل أنبائهم وأبناء الآخرين!
إنهم أصحاب “شركات الأموال”، والنصابون باسم الدين، مختلسو شركات القطاع العام، مصدر قوت الشعب، حيثما وجدت.
إنهم أبطال المشاريع الوهمية كزيادة الطرقات الدائرية ولا سيارات، وتوسيع أو زيادة أعداد المطارات ولا ركاب، ومد خطوط السكك الحديدية في البحر أو في المساحات المردومة قصداً لمصادرة الواجهة البحرية للمدينة، ومتعهدو بناء الأبراج الشاهقة والطاردة للفقراء من سكان أحزمة البؤس في الضواحي، لكي لا تزعج بمنظرها الأشوه السواح ورجال الأعمال وممثلي الوكالات الأجنبية الآتين لكي يحققوا لنا الرخاء والنهوض الاقتصادي والازدهار في ظل نعمة السلام وخيراته العميمة!
شركات الوكالات اليهودية أسهمت إسهاماً أساسياً في بناء دولة إسرائيل، وشركات “مماليك النفط” العرب أكملت المهمة المقدسة: فهدمت مشاريع الدول التي كانت على وشك أن تقوم، وفتحت الطريق عريضاً أمام “الدولة المركزية” العتيدة.
وها هم “مماليك النفط” يخرجون من جحورهم إلى السطح، ويتبادلون بطاقات التعريف مع “شركائهم” الذين كانوا ممنوعين من إظهار العلاقة معهم على النور، خوفاً من العقاب “الحكومي” و”الشعبي” على حد سواء.
ها هم “مماليك النفط” يتقدمون ليصافحوا “سادتهم” الجدد. ويقدمون أنفسهم كوكلاء أو شركاء صغار أو حتى كسماسرة ومروجين ومسوقين للشركات الإسرائيلية سواء بأسمائها الصريحة أو تلك المتسترة بالمتعددة الجنسية.
إنهم يفترضون أن إسرائيل ستعتمدهم كممثلين “للشرعية الجديدة” المرتكزة إلى “السلام”، سلامها.
لقد خلا لهم الجو: لا مؤسسات سياسية، لا حكومات، لا أحزاب ولا نقابات ولا تنظيمات شعبية، لا عقائد ولا أيديولوجيات.
إنهم وحدهم في الساحة، وإن ظلوا يستظلون ألقاب صاحب الجلالة أو صاحب السمو أو صاحب الفخامة ، للحماية والتمويه، وتسهيلاً لتهريب الثروات.
إنهم رجال “العهد الجديد”، إنهم الزمرة المكلفة أو المتبرعة باغتيال الغد العربي، إنهم “شرطة مكافحة الشعب” في النظام العالمي الجديد.

Exit mobile version