من حق العرب، خارج منطقة الخليج “العربي”، أن ينظروا باسترابة إلى مجلس التعاون الخليجي وإلى قممه المتعاقبة التي لم تقدم ما يفيد القضايا القومية أو ما يضيف إلى رصيد العرب في العالم، بل لعلها خصمت منها ومنه.
فهذا المجلس ليس مجلساً!! إنه أقرب إلى أن يكون تجمعاً اضطرارياً تفرضه مصالح الخارج وأنانيات الداخل وهدفه تمييز أعضائه عن أخوانهم الفقراء وتبرير الانفصال عنهم التحاقاً بـ “السيد” لأنه الأقوى والأقدر ومركز القرار!
ثم إنه ليس مجلساً للتعاون، فالتعاون الفعلي والمفيد غير قائم (حتى الساعة) بين أعضائه. فقط ثمة قدر من التنسيق على المستوى الأمني، والإعلامي، ودائماً برعاية “السيد”. أي إن التعاون يقتصر على “الضد” أو “المختلف”، أما في ما بين “المتعاونين” فليس ثمة غير الشكوك والحذر والمخاوف لاسيما إزاء “القوة المهيمنة”، السعودية، و”القوة التي كانت ترى نفسها عظمى” أي الكويت.
وأخيراً فإن “الخليج” هو اسم حركي للمناطق الغنية بنفطها الفقيرة بعدد سكانها، بدليل استبعاد العراق واليمن منذ البداية، فلو إن المسألة “جغرافية” لكان هذان القطران بين المؤسسين لا بين المستبعدين، وبإصرار!
ولم يكن مجلس التعاون بحاجة إلى الغزوة البائسة التي ارتكبها صدام حسين ضد الكويت لكي يعلن الطلاق مع القضايا العربية وهموم بقية العرب سواء في المشرق أم في المغرب… فهو منفصل من قبل الغزو، وبالتالي من قبل ما يسمى بـ “حرب الخليج” أو “عاصفة الصحراء” التي قادها الأميركيون تحت لواء شوارزكوف بن سلطان بن عبد العزيز!! الذي أثبت أنه أنجح كرئيس تحرير صاحب سمو منه كصاحب سيف وخبرات عسكرية باهرة.
ومن حق العرب، وهم في قاع الهزيمة، أن ينبهوا أشقاءهم الأغنياء الذين خرجوا منهم وعليهم، إلى أنهم لا يحتاجون صدقاتهم وإحسانهم، فهم كانوا فقراء وسيبقون، وإن قضاياهم أخطر من أن يحلها المال، بل لعل المال بين أسباب الخسارة والاندحار، خصوصاً متى وُظف لحساب الجهة المقابلة!
إن مجلس التعاون، بقيادة السعودية معززة بتحريض كويتي مكشوف، يكمل ما بدأه صدام حسين، حتى لكأنهما شريكان!
لقد تسببت غزوة صدام حسين في تدمير قوة التصدي العربية، وألحقت نتائجها بالعرب – كل العرب – ويلات تكاد تذهب بحاضرهم ومستقبلهم، وها هي القيادة السعودية – الكويتية لمجلس التعاون تكاد تذهب بقوة الصمود وبالاحساس بالأهلية.
فغزو العراق الكويت جاء بالأجنبي إلى الأرض العربية وأخضعها كلية لمطامع الأميركي، ومسلك مجلس التعاون بالقيادة السعودية، فتح الإرادة العربية أمام العدو الإسرائيلي،
وليس صحيحاً إن كل هذه الانهيارات قد تمت بالضغط والإكراه، فلم يجبر أحد بندر بن سلطان على التبرع بدور السمسار، ولم يكره أحد عبد الله بشارة على الجلوس إلى ديفيد كمحي للحوار حول المستقبل المشترك!!
وثمة بين الأمم من لحقت بها هزائم لا تقل خطورة عما لحق بالعرب، لكن رفض العدو والإصرار على عدم التسليم بشروطه والمضي قدماً في مقاومة اختراقه، فتح الباب للنصر ولو بعد حين،
أما في حالة العرب فكأن بعضهم كان ينتظر الهزيمة الجديدة ليندفع إلى الاستسلام الذي كان متعذراً من قبل “خوفاً من الارهاب الثوري” سواء أكان “فلسطينياً” أم من طبيعة قومية.
لقد “تبرع” بعض العرب بالضغط على أخوانهم الصامدين من أجل الاستسلام لإسرائيل طلباً للرضا الأميركي، ولكنهم بهذا الموقف خسروا حرارة الأخوة ولم يكسبوا احترام العدو.
وكان واضحاً إن من أجهض “اتفاق دمشق”، وتملص من أي التزام حيال الذين حموه بدمائهم لن يكون شديد الحماسة لتحرير الأرض العربية الأخرى المحتلة.
لكن بعض المسؤولين في الجزيرة والخليج تجاوزوا الحدود وانحازوا إلى العدو “نكاية” بصدام حسين، فعاقبوا الأمة باسم “الغول” الذي صرفوا المال والجهد والسنين الطوال على تغذيته وتنمية قدراته وتبرير خطاياه بوصفه “حاميهم” من الغزو الفارسي الآتي باسم الإسلام!
والآن يتنازل هؤلاء عن فلسطين وبعض سوريا وبعض لبنان لإسرائيل ثم يرمون للعرب الفقراء ببعض القروش لشراء صمتهم واستكانتهم واستسلامهم لشروط العدو الإسرائيلي ، كأنما المال يعوض الوطن الضائع أو يعيد الكرامة المهدورة أو يحرر الإرادة المقهورة بغطرسة الغازي والمحتل والمهيمن بقوة السلاح واحتكار النفوذ.
إن هؤلاء يكملون مهمة صدام حسين تماماً في تدمير صمود الأمة وأهدافها وطموحاتها العظيمة. إنهم يبتزون الأمة بحجة إن طاغية (منهم) قد ارتكب الاثم!! فيسلمون رقبتها لعدوها!
إنهم يعطون الأميركيين أكثر مما طلبوا، ويمنحون الإسرائيليين ما لم يداعب خيالهم ولم تمكنهم قوتهم الأسطورية من تحقيقه.
فهل ترفع أصوات المخلصين داخل القمة لتحذر من خطورة هذا السلوك على مستقبل الخليج وأهله؟
فلا العرب سيغفرون،
ولا الإسرائيليون سيكافئون هذا السارق من أبيه،
وإعلان دمشق كان طريق النجاة، مع كل الملاحظات عليه،
فهل يأمل العرب بوقفة مراجعة أم قد فات الأوان وجاءت ساعة الانتحار؟!