في الأمثال الشعبية المصرية واحد يقول “تحب تفهم تدوخ”!!
في لبنان محكوم عليك، طالما إنك مصر أن تفهم، أن تمضي حياتك دائخاً!!
فالسياسة في لبنان، بالنسبة لأهلها من الأقطاب والفعاليات والزعماء والقادة الخ، هي فن تدويخ “الشعتب العنيد” المصر على تجربة حظه مع الفهم!
من باب الترفيه والتسلية، عشية عيد الأضحى المبارك، هذه محاولة للفهم تعتمد منطلقاً للتدويخ بعض المفارقات التي نعيشها، وهي غيض من فيض أعاجيب “الدويخة” المسماة اللعبة السياسية في لبنان:
1 – المفارقة الولادة:
*يفترض، نظرياً، إن سمير جعجع الشهير بالحكيم، قد أعلن التوبة وعاد طائعاً، مع “قواته اللبنانية” المسلحة حتى أسنانها، إلى الشرعية العزلاء، تحت راية اتفاق الطائف الشهير، بشحمه ولحمه وعظمه من دون تبديل أو تعديل!
ولقد دخل جعجع بيت الطاعة الشرعية معززاً بشهادتي حسن سلوك: الأولى صادرة من مرجعية المراجع، في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، والثانية من مختار المخاتير العرب، اللجنة الثلاثية! عظيم!
** بالمقابل، فالثابت وليس المفترض أن أبرز معارضي اتفاق الطائف بين العرب هم النظام العراقي و”النظام” الفلسطيني،
*إلا أنه وبرغم التباين الحاد في المواقف فإن هذين النظامين لم يتوقفا عن دعم “القوات اللبنانية”… بل لعلهما – ويا للمفارقة!! – قد زادا من دعمهما لها، هي المؤيدة لاتفاق الطائف بتعدما شجر الخلاف بينهما وبين “صديقهما”، الأثير الذي صار اليوم “عميلا سورياً” ميشال عون الذي – مثلهما – ينادي بإسقاط الطائف وإعدامه رمياً بالرصاص…
** المفارقة الثانية داخل هذه المفارقة إن إسرائيل المعادية لأي حل عربي في لبنان، من حيث المبدأ، تدعم بشكل واضح “حكيم” الفيدرالية الذي صار توحيدياً بنعمة اتفاق الطائف وبركته الطوباوية!
وآخر مظاهر الدعم إفراج العدو الإسرائيلي عن باخرة السلاح الشهيرة التي حملت آخر شحنة “ترياق” من العراق، وعبرت قناة السويس إلى المتوسط، ثم أوقفتها بقوة ما “مجهولة” وأغرت مالطا باحتجازها فاحتجزتها شهوراً طويلة حتى إذا تمكن النظام العراقي من فرض هدنة قمة بغاداد بين الأخوة – الأعداء من الميليشيات المارونية. تم الإفراج عنها بكل حمولتها الهائلة من الأسلحة والذخائر.
الطريف إن إسرائيل قد اقتادت الباخرة بما عليها إلى شواطئ فلسطين المحتلة، وأخذت تفرغ الحمولة وتعيد شحن ما تريد شحنه “كعينات” أو “مختارات” إلى أصدقائها في “القوات”… ربما لتوكيد الرعاية الإسرائيلية المباشرة لاتفاق الطائف وحلم السلام الوطني في لبنان،
** عظيم جداً!! خصوصاً وإن هذا كله قد تم برعاية مباشرة، ووساطة فعالة من الولايات المتحدة الأميركية، الراعية الرسمية للطائف وأهله والاتفاق الذين اصطنعوه هناك!
2 – المفارقة “المقدسة”!
معروف، ومنذ اليوم الأول، إأن بعض القوى الغربية، وبالتحديد الفاتيكان وفرنسا. قد اعترضت على اتفاق الطائف وحاولت جاهزة المشاغبة عليه، وأملت جنرال العتم بمساعدته على قتله وإسقاطه!
الطريف إن فرنسا قد زاحمت الفاتيكان مؤخراً على مبادرة تطوعية تستهدف إنقاذ اتفاق الطائف وشرعيته بإدخال جنرال العتم إأليه، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
السفير البابوي في بيروت دعا، ببساطة، إلى إسقاط حكومة اتفاق الطائف لإأقامة حكومة “قاتل الطائف” ميشال عون، بحجة دعم الشرعية وإزالة العقبات من طريقها.
والموفد الفرنسي فرنسوا شير شكك بولاء سمير جعجع لاتفاق الطائف مذكراً بأنه يلقى كل هذا الدعم الإسرائيلي، تاركاً لسفيره الشاطر رينيه ألا أن يقترح “تلوين” الكوب فيبقى الاتفاق بجوهره ولكنه يصبح قابلاً لأن يشرب!
المفارقة إن بعض أهل الشرعية لم يتمالك نفسه فكاد ينظم الشعر امتداداً للتطور في طروحات السفير البابوي، في حين إأن بلاغة الأمير سعود الفيصل ذاته لم تقنع على ما يبدو الفاتيكان بتعديل موقفه المتعنت من اتفاق الطائف الذي ما وضع أصلاً إلا لحماية المسيحيين (والمواىرنة بالذات) ودورهم في الحكم، وقمته على وجه التحديد.
المهم: إن فرنسا التي “صححت” موقفها من اتفاق الطائف ما زالت تدعم الجنرال المعادي للاتفاق،
وإن الفاتيكان المناهض للاتفاق يعلن، بلغات مختلفة، دعمه للشرعية مع اعتراضه على أساسها السياسي، اتفاق الطائف… ثم إن بركته تتسع للشرعية وللضابط المتمرد عليها… بقوة سلاحها كما بقوة الحرص البابوي المقدس على مسيحيي لبنان الذين وزعتهم “حرب التحرير” بين المنافي وديار الشتات… حتى لا نذكر الضحايا الاعزاء.
3 – المفارقة الجامعة
استطاعت هذه الحكومة التي لم تنجز شيئاً ذا بال، حتى الساعة، أن تحقق نوعاً من “وحدة المواقف” بين العديد من القوى المتنافرة، التي تجاوزت حكاية اتفاق الطائف لتتلاقى على ما هو أسمى وأكثر نفعاً للناس: الدعوة إلى حكومة جديدة!
بعض هذه القوى يطالب برحيل هذه الحكومة لأنها لم تنفذ ولن تستطيع تنفيذ اتفاق الطائف،
والبعض الآخر يريدها أن ترحل حتى لا يكتب لاتفاق الطائف أن يرى النور،
والحشد عجيب غريب: فيه المؤيد للاتفاق المعارض للشرعية، وفيه المؤيد للشرعية المعارض للاتفاق، وفيه المعترض على كليهما، وفيه المؤيد لكليهما والداخل بنعمتهما إلى دست السلطة!
ميشال عون يريد حكومة جديدة (بعد أن اكتشف أن لا مشكلة له مع الرئيس الياس الهراوي وشرعيته)ز
واللقاء الإسلامي وبعض من لايقول قوله من النواب يطلبون حكومة جديدة،
وبعض الوزراء بزعامة وليد جنبلاط يشهرون بالحكومة ورئيسها بمناسبة وبلا مناسبة ويدعون إلى ترحيلها إن هي تقاعست،
والرئيس سليم الحص يدعو إلى ضرورة تغيير احلكومة،
وبعض أهل الحكم يستعجل لحظة الخلاص من حكومة الوفاق الوطني، حكومة اتفاق الطائف، حكومة سليم الحص، أو سليم الحص على وجه التخصيص.
حتى لقد بدا وكأن الحكومة غاية أسمى من الحكم والشرعية واتفاق الطائف،
ولقد اختلط حابل “المعارضة” بنابل “الميليشيات”، كما اختلط “العسكر” مع “الحرامية” فكاد يضيع الموضوع الأصلي للنقاش وإن بقي رأس سليم الحص مطلوباً من الجميع!
وفي لحظة كاد البعض يصوردخول عون الحكومة ضرورة لاتفاق الطائف لا يعادلها في الأهمية إلا خروج سليم الحص وكأنه أعدى أعداء الشرعية وحكم اتفاق الطائف!
4 – المفارقة الفاقعة
اتفاق الطائف، وبغض النظر عن رعاته وحماته الكبار، هو إنجاز للنواب الأبديين، نواب الماضي والحاضر والمستقبل في لبنان، الذين تداعوا فتلاقوا بتعد افتراق وتحاوروا بعد خرس وحملوا بعد عقم وأنجبوا مولودهم اليتيم هذا بعملية قيصرية ملكية الابهة دولية الدوي!
وفي الكلام السيار إن مثل هذا الاتفاق ما كان ليولد لولا تدخل “الحكيم” ومباركة “البطريرك” و”شجاعة” جورج سعادة على وجه التحديد،
وإذا كان الحكيم قد تأخر شهوراً لإعلان تأييده الاتفاق، فإن البطريرك الماروني لم يجهر بهذا التأييد إلا خلال زيارته قبل أيام فقط – وبصحبة السفير البابوي – لرئيس الجمهورية، حيث أكد إنه مع الاتفاق كما هو، نصاً وروحاً وبلا تحفظ.
المفارقة إأن السابق إلى إعلان التأييد، أي جورج سعادة، هو المتهم الآن بالتلكؤ،
والمفارقة الأبرز إن النواب الذين حصلوا على ألقاب البطولة، بمختلف الأوزان في الطائف، هم المتهربون الآن من إنجاز مهمتهم بإقرار التعديلات الدستورية في بيروت،
وبقدر ما يلح هؤلاء على ضرورة حسم الوضع ليتمكنوا من العودة إلى بيوتهم وأحيائهم في “الشرقية” وإنهاء تغربهم في “الغربية” أو سياحتهم في فرنسا وبعض أوروبا، فإأنهم يتقاعسون لأمر ما عن إنجاز العمل الوحيد الذي يعجل بعودتهم إذ يسرع برحيل مسقط نياباتهم والمشهر بهم والمتهمهم في وطنيتهم وكراماتهم وحتى نزاهتهم الشخصية.
وهكذا فإن مجلس نواب الطائف يتهرب من إقرار اتفاق الطائف، ثم يجلس فوق رأسه وهو مسجى غائب عن الوعي ليبكيه ويرثيه بأرق الكلمات!
ماذا بعد!
هناك ما لا يحصى من المفارقات المبكيات المضحكات،
لكن وسط هذا الديجور، وعشية هذا العيد، يكفي هذا القدر، وعلى أمل اللقاء بكم وبالمنتفعين بالطائف والمتضررين منه، نرجو لكم أطيب المفارقات الطائفية، والسلام ختام.