مَن هو الغرهابي الحقيقي: كارلوس أم حسن الترابي؟! الخاطف أم المخطوف؟ العامل لقضية آمن بها فنذر لها عمره (حتى لو اعتبر ضالاً ومخطئاً في أسلوبه)، أم العامل لحساب غيره بالأجر؟!
مَن هو الإرهابي الحقيقي: المناضل أم المرتزق؟! المقاتل ضد السلطة الظالمة، كائنة من كانت وحيثما كانت، أم طالب السلطة ولو على عرش من الجماجم وبحماية الذين ادعى أنه إنما جاء لتحرير الناس من “كفرهم” و”هيمنتهم الباغية”؟!
مَن هو الإرهابي الحقيقي: كارلوس أم باسكوا؟!
إن ملايين الملايين من العرب والمسلمين غير العرب المقيمين في فرنسا، وكثرة منهم مولودون فيها، يعيشون أيامهم في ذعر متصل وفي قلق ممض على مصادر رزقهم وعلى حياتهم ذاتها، لأن مهووسين في الجزائر محكومين بردة فعل دموية على النظام “المستغرب” القائم في بلادهم والحامل تشوهات العصر الاستعماري (الفرنسي) حرمهم أبسط حقوقهم المشروعة و(الشرعية) في أن يكون لهم دور في حكم بلادهم،
وفي حين يتهم وزير الداخلية الفرنسي أولئك “الإسلاميين” في الجزائر بممارسة الغرهاب ويأخذ بجريرتهم كل أسمر البشرة وكل مسلم، حقيقة أو بالافتراض، فإنه لا يتورع عن التواطؤ مع “إسلاميي” السودان لاختظاف “طيف” كارلوس (إن لم نقل جثته) لمحاسبته على “أعمال إرهابية” وقع أحدثها قبل عشر سنوات ونيف في باريس وعواصم أخرى.
مَن هو الإرهابي الحقيقي: هل هو الذي ذهب زمانه فانتهى معه دوره وعز عليه حتى الملجأ في انتظار الموت، أم المتسنم سدة السلطة بعدما اغتصبها بالدبابة والاعتقالات وقهر “الشعب” وتزوير إرادته وفرض الظلم عليه باسم الدين الحنيف؟!
لا يحتاج كارلوس إلى مَن يدافع عنه، وبالطبع فإن أي دفاع عنه ساقط ومسفه لاختلاف الزمان. لقد انتهى زمان كارلوس فانتهى معه. وفي كل الحالات لسنا من المؤمنين بأسلوبه ولا من القائلين بأن ينوب فرد أو أفراد عن الحركة الشعبية ونضالها الطبيعي في بلادها.
ليس أسهل من إدانة المهزوم ومحاكمته بمفعول رجعي. الهزيمة تسحب نفسها على التاريخ فتطمس ما كان مشرقاً مشعاً بالأمل، وتلغي أي إنجاز وتقلبه إلى جريمة أو خطيئة.
وكارلوس ابن مناخ وابن مدرسة فكرية كانت تنتدب نفسها لإعادة صياغة الحياة بما يليق بكرامة الإنسان.
والهزيمة هي التي حوّلت تلك المدرسة إلى “أمبراطورية الشر”، بينما أعطت صك براءة للمدرسة المضادة التي طالما انتفضت الشعوب ضدها وقاتلت ظلمها وهيمنتها واحتقارها لإنسانية الإنسان بالسلاح.
الخطأ لا يغيّر الحقيقة، وانتصار الأقوى لا يجعله نبياً هادياً أتى لخلاص البشرية.
وقد لا يكون كارلوس هو النموذج الأرقى للثوري وللمناضل الأممي وللحالم بتغيير الكون بحيث تنتفي المظالم وينتهي عصر الحروب ويحقق الإنسان سعادته.
لكن الذين يحاسبون كارلوس الآن هم أبشع النماذج للدكتاتوريات والقمع والعنصرية.
وأعظم شهادة لكارلوس تأتيه من هؤلاء الذين يحاسبونه وليس من تاريخه الشخصي.
لقد فضح كارلوس رياء إسلامية الداعية الأعظم الدكتور حسن الترابي.
كشف زيف ادعاءاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفضح تبعيته المطلقة للغرب، ولأبشع ما في الغرب.
ولا يستطيع الترابي الآن أن يدعي أنه صاحب مشروع لإعادة صياغة العالم على قاعدة الإسلام: الإسلام بما هو تجسيد لكرامة الإنسان، وبما هو ثورة تحررية ترفض الظلم وتدعو إلى مقاتلته بالسلاح، والغسلام بما هو وعد بحياة أفضل للعالم أجمع وبشعوبه وأممه كافة.
ويمكن أن يحتسب لكارلوس أنه حقق وهو في الطريق إلى السجن إنجازه الأعظم: أنه قدم الترابي بصورته الحقيقية، كاشفاً هذا النمط من الإسلاميين الذين يرفعون الصوت لكي يسمعهم الغرب فيتبناهم ويعتمدهم ويقرهم على ما اغتصبوه من السطلة ويصنفهم “ديموقراطيين وممثلين “شرعيين” له في بلادهم.
وليس هذا الكلام دفاعاً عن كارلوس، ولكنه دفاع عن العرب وعن الإسلام.
فكارلوس الذي سقط مع عصره كان يفترض أنه إنما يحاسب “المخطئين” و”الظالمين” و”الطغاة” وينصر القضايا العادلة. وهو قد تخطى حدود القومية والدين لأن القضايا المحقة لا تحاصر بتلك الحقوق ولا تلتزم بها. وهو كان يقاتلهم جميعاً، وهو الأضعف، وها هو ينتقمون منه ومن عصره جميعاً الآن وهم الأقوى. ويكفيه شرفاً أنه قد أخافهم وأقض مضاجعهم ليس بقوة أساطيله ومدى صواريخه، ولكن بفداحة جرائمهم ومظالمهم وقمعهم.
وليس غريباً أن تجتمع على كارلوس سيوف النظام الجديد والمرتدين من أهل النظام القديم لكن هذا أيضاً يؤكد كم هي قوية رمزية الدعوة التي حمل رايتها كارلوس، وكم هو هش هذا النظام العالمي الجديد،
.. ثم كم هي بعيدة عن جوهر الإسلام هذه الإسلامية التي يتصدرها دعاة مثل الترابي!