طلال سلمان

على الطريق مع تلاقي اللجنة الثلاثية “لإنقاذ” اتفاق الطائف: متى يبدأ “هجوم السلام”؟

يفترض أن تلتقي اليوم، في الجزائر، اللجنة العربية الثلاثية لعرض الوضع في لبنان وبالتحديد المعوقات التي تعترض تنفيذ مشروعها للحل: اتفاق الطائف.
ولقد تعب العالم، بدوله العظمى والصغرى، في الشرق والغرب، من إعلان تأييده الحازم لاتفاق الطائف، وللشرعية التي انبثقت عنه وباسم العمل لإنجازه… ومع هذا فإن اتفاق الطائف، وحتى تاريخه، ما زال “مشروعاً” معلق التنفيذ،
مر شهران، إلا قليلاً، على إقرار مجلس النواب، في لقائه الاستثنائي بمطار القليعات، الاتفاق بصيغته العامة.
وسقط أول رئيس الجمهورية اتفاق الطائف شهيداً، وها قد مرت ذكرى الأربعين على استشهاد رينيه معوض، أحد أفضل رجالات لبنان والصورة الأبهى لذلك الاتفاق العتيد، من دون أن يعرف الاتفاق طريقه إلى التطبيق عبر صيغ دستورية وقوانين تنفيذية ملزمة ومرعية الإجراء.
ومضى أكثر من شهر على انتخاب الرئيس الثاني للعهد الجديد، عهد اتفاق الطائف، وعلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي أوكل إليها ذلك الاتفاق مهمة تنفيذه، من غير أن يلمس المواطن في الداخل، والدول في الخارج، جهداً جدياً في اتجاه تنفيذ هذا الاتفاق.
على النقيض من ذلك تماماً، بدأ سجال غير مبرر حول إمكان تعديل الطائف، وانطلقت من أوساط محسوبة عليه دعوات إلى تعليقه فعلياً… في انتظار حسم الوضع في “الشرقية”،
ومؤكد أن الحماسة للتنفيذ قد بردت،
ومؤكد أكثر أن ثقة الناس بتنفيذ اتفاق الطائف قد اهتزت.
ويوماً بعد يوم تشحب صورة ذلك الاتفاق الذي علقت عليه الآمال العراض، والذي اعتبر إنجازاً عربياً، يتيماً في زمن العقم، والذي حظي بتأييد دولي عز نظيره، وإن ظلت تنقصه مباركة قداسة البابا!!!
لماا؟ ومن هو المسؤول؟! وكيف تحول “المنقذ” إلى مشروع غريق يستغيث فتعز نجدته؟
هل المسؤولية عربية؟! أي، هل أنكر أهل الطائف مولودهم؟! أو هل اكتفى أهل الطائف بأنهم وضعوا الاتفاق على الورق، واعتبروا أنهم أدوا قسطهم للعلي فناموا؟! وهل تراهم كانوا معنيين بالحل أم بالصورة؟! وهل تراهم يقولون الآن: نحن أنجزنا ما علينا، لكن اللبنانيين لم ينجزوا ما عليهم؟!
لا نظن أن أعضاء اللجنة العربية العليا، ومن ثم الوزراء الثلاثة ومعهم فدائي الحل العربي الأخضر الإبراهيمي، يمكن أن يتنصلوا من مسؤوليتهم التاريخية، وينسحبوا منها بهذه البساطة، فهم بالتأكيد كانوا يعرفون خطورة المهمة الجليلة التي انتدبوا لها أنفسهم، وخطورة الصعاب التي ستواجهها.
كذلك فهم يعرفون. بلا شك، الآثار المدمرة لانتكاس مشروع الحل العربي ليس فقط على لبنان واللبنانيين، بل على الأمة العربية جمعاء، وبينها أقطارهم، كما على مصداقيتهم هم بأشخاصهم، يساوي في ذلك ملكا المغرب والسعودية والرئيس الجزائري، ووزراؤهم بطبيعة الحال.
فهم أنفسهم قد وصفوا هذا المشروع بأنه الفرصة الأخيرة للحل،
وهو أنفسهم قد طافوا دول العالم يستجلبون له التأييد والدعم حرصاً على النجاح من جهة، ومنعاً لانتقال عدوى الحرب الأهلية بجرائمها القاتلة وبينها مخاطر التقسيم والانفصال على أساس ديني أو طائفي أو مذهبي أو عرقي إلى مختلف الأقطار العربية التي يتشكل كل منها من أكثرية وبضع أقليات، والتي غرس الاستعمار في كل منها أسباباً للفرقة والانقسام لن تعدم أسانيد مصطنعة، أو صحيحة في التاريخ الذي كتبه الغير أو في الجغرافيا التي رسمتها مصالح الغير.
في أي حال فاللجنة تتابع عملها، ولا بأس من انتظار بضعة أيام أخرى لمعرفة النتائج العملية.
لكن السؤال يظل مشروعاً حول دور الشرعية اللبنانية في تنفيذ اتفاق الطائف، لاسيما الجانب الدستوري منه، وهو المدخل المفترض إلى “الجمهورية الجديدة” جمهورية الوفاق الوطني.
ومع الوعي الكامل بالمشكلات التي اعترضت سبيل الشرعية وحدّت من زخم اندفاعتها ، فمن حق الناس أن تتساءل: متى يبدأ الإنجاز؟!
فليس سراً أن الحكم يتحول تدريجياً من الهجوم إلى الدفاع، وهذا دليل ضعف.
وليس سراً أن الحكومة تفقد المزيد من رصيدها مع كل يوم يمر من دون إنجاز.
وليس سراً أن ميشال عون قد أفاد وإلى أقصى حد من ارتباك الحكم ومن غياب قرار الشرعية أو ضعفه، فاستعاد زمام المبادرة وتحول من مشكلة مسيحية أو مارونية تحديداً، إلى ما يمكن اعتباره “حالة شعبية” تصلح قاعدة لمشروع سياسي مضاد تماماً لاتفاق الطائف.
لقد نجح جنرال الحرب في وضع “الطائفة” بمواجهة “الطائف”، فإذا الاتفاق الواعد بحل وبسلام وطني يصور وكأنه أداة لتجديد الحرب الأهلية وأدامتها في لبنان.
واستقر في ذهن كثير من اللبنانيين والمسيحيين منهم بشكل خاص، وكان الطائف عدو الطائفة. وإن إنقاذ الطائفة – ومصير المسيحيين في لبنان، بل وفي الشرق – إنما يكون بإسقاط الطائف!!
لم ينفع اسم الطائف والعلاقة الخاصة جد للمملكة مع الطائفة في تطمين “جمهور” الطائفة المهيج والمستعدى على الاتفاق.
لم ينفع رصيد الجزائر، ولا نفع المسلك المميز للحسن الثاني والذي لم يشتهر أبداً بتعصبه وانغلاقه بل لعله اشتهر (وشهر به أحياناً) بغربيته وبميله “السلمي” إلى حد القول (والسعي) لمصالحة العرب واليهود.
لم ينفع في إسقاط الأوهام انتخاب رئيس ماروني للجمهورية العتيدة، ثم رئيس ماروني ثان بعد استشهاد رينيعه معوض، (واستطراداً تعيين قائد جديد وماروني للجيش بديلاً من ميشال عون) الخ..
وفي غمرة التهييج المدروس اتسعت دائرة العداء في “الشرقية” لتشمل العرب كلهم بعد أن كان موجهاً ضد السوريين بالذات… و لم تشفع للنظام العراقي مساعداته الهائلة، ولا شفعت لقيادة منظمة التحرير مواقفها المساندة للجنرال وحربه ضد سوريا.
كل هذا والحكم، بشخص رئيس الجمهورية كما بشخص الحكومة، يتردد ويداري ولا يحزم أمره فيحسم.
وليس بالمقصود بالحسم الهجوم العسكري الشامل على “الشرقية”، فأهل الشرقية أهلنا من قبل ومن بعد، ولكنه الحسم بالقرار توكيداً للموقف وتعبيراً عنه وتجسيداً له.
فالحكم، بداية وانتهاء، قرار، وأصل السلطة القرار، ولا يملك القدرة أو الشجاعة على اتخاذ القرار ليس جديراً بالحكم. والأعذار لا تبرر قصوراً مهما بلغت وجاهتها.
فالحكم مسؤولية حقاً، ولكنها مسؤولية بوجهين: الموقف والقرار التنفيذي. ولا يمكن الاكتفاء بالموقف. بل غالباً ما يكون التنفيذ هو الأساس، وإلا تحول الموقف إلى مجرد وجهة نظر!
متى يبدأ الإنجاز؟!
متى يبدأ تنفيذ اتفاق الطائف الذي كان عند صدوره سلاحاً هجومياً فعالاً فتحول عبر التطورات التي شهدتها وتشهدها “الساحة اللبنانية” إلى “مشروع إصلاحي” ركيك ثقيل الوطأة على أهله وأصحابه، يضطرهم إلى الدفاع عنه وتبريره (وفي بعض الحالات: الاعتذار عنه)؟!
متى يبدأ، فعلياً، هجوم السلام، الذي لاحت بشائره عند التئام المجلس، بعد العودة من الطائف وانتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية، ثم خبت أنواره مباشرة أثر انتخاب الياس الهراوي رئيساً جديداً وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بمن حضر، على أمل استكمالها لاحقاً؟!
ولماذا أنفض سامر النواب بعد جلساتهم المثمرة في شتوره؟!
لماذا لا يلتئم شملهم مرة أخرى، لإكمال ما بدأوه، وبالتحديد لإتمام العديل الدستوري لكي يتحول اتفاق الطائف من “مشروع” في جملة المشاريع الإصلاحية التي أجهضت من قبل أن ترى النور، إلى مرتكز دستوري وقانوني لصيغة الحكم في لبنان ما بعد الحرب الأهلية؟!
ومن المسؤول عن هذا الضياع والارتباك المتفاقم في مواجهة الحالة التقسيمية التي تتجذر يوماً بعد يوم في “الشرقية” وتمتد عدواها إلى مناطق أخرى، ولو بأدوات أخرى وشعارات أخرى ومنطق مغاير كالذي نشهده في الجنوب، وكالذي يتوقعونه أو يروجون لوقوعه من تقسيم مقترن بالتوطين بحيث يتساند مفتتو لبنان ويتكاتفون بينما الوحدويون مشرذمون وظاهرو الضعف في مواقعهم الدفاعية المبعثرة والتي تفتقد الترابط والتنسيق ولو بحده الأدنى؟!
هل الحكم هو المسؤول؟
هل الحكومة هي المسؤولة كونها لم تنجح في تقديم نفسها للناس بوصفها قيادتهم السياسية بقدر ما هي الأداة الطبيعية لبعث الدولة بمؤسساتها وإداراتها المختلفة؟!
هل العيب في تأخر الدعم العربي المباشر، أم في أداة التنفيذ المحلية؟!
وهل ضاعت الفرصة لاستعادة المبادرة أم ما زالت قائمة تنتظر عزم الرجال لمباشرة هجوم السلام؟!
وهل تجيء الخطوة الأولى من الخارج أم من صاحب الشأن، صاحب الحق بالقرار؟!
هل ننتظر من واشنطن أن تعزل عبد الله بوحبيب، ومن باريس أن تبعد فؤاد الترك، أم نصدر القرار ثم نرجئ التنفيذ حتى لا نتهم بممارسة سياسة انتقامية.
ومن قال إن بقاء المخطئ أو المقصر أو المفرط بوحدة البلاد ليس انتقاماً من الصالح والمجد والوطني… واستطراداً ليس إضعافاً لمشروع الحل العربي المستهدف إنهاء الحرب الأهلية في لبنان؟!
وهل يقوم الوفاق الوطني على أكتاف التقسيميين، أو أولئك الذين اندفعوا مع التقمسيميين وروجوا لهم في العالم وقدموهم كأبطال للتحرير؟!
تلك بعض الأمثلة والتساؤلات التي تقض على اللبنانيين مضاجعهم،
وفي غد نحاول معاً العثور على الأجوبة المفتقدة… ولعلنا سنكون مضطرين إلى المزيد من الصراحة في هذا الحديث الموجع.

Exit mobile version