الصمت هناك هو السيد،
الطبيعة صامتة، ومن في الداخل لا يكثيرون من الكلام، وإذا تكلموا فبالهمسة والإيماءة والتلميح الذكي.
حتى جنود الحرس لا يحدثون جلبة ولا هم يذكرونك بالأوصاف المميزة لقصور الحكام. بسطاء هم، بالملابس والملامح وما تلمع به مآقي العيون.
بكلمة: لا وجود للبهجة ولا لبهرجة السلطان في القصر الجمهوري في بعبدا، وكل ما حول المبنى الزجاجي الأنيق يعكس نوعاً من الانسجام مع واقع البلاد الخارجة لتوها من حرب السنتين.
.. ويحدثك بعض معاوني الرئيس عن (الهموم) الصغيرة، أما الهموم الكبيرة فأوضح وأكثف وجوداً من أن تحتاج إلى كلام. يقولون:
-تصور أن ثمة من يتصل بنا شاكياً انقطاع خط الهاتف في منزله أو في مكتبه؟! لعله يحار في إيجاد من يسمع له، وكمخرج من الحيرة يتصل بنا هنا في القصر، وفي ظل الظروف القاسية التي تعيشها البلاد لا يمكنك أن تصد هذا الشاكي أو أن تحيله على الجهة المختصة. أليس هذا القصر هو رمز الوطن ووحدته والمرجع الأخير للبنانيين جميعاً؟!
ويضيف مؤكداً على المعنى السياسي الذي يقصد إليه، فيقول:
-أجل هو كذاك، وأبوابه مفتوحة للكل بلا تمييز ولا استثناء، والكل يأتون، يعلنون آراءهم صريحة فيسمع منهم ويسمعون منه.
أما الرئيس فلا يزال هو هو مع تغييرات تحسها فيه أكثر مما تراها.
ويتحدث إليك فإذا أنت أمام مزيج فريد في نوعه من الألم والأمل، المرارة مما كان والتفاؤل في ما سيكون، الأسى على ما حل بلبنان والإيمان بوحدته وبإرادة بنيه في تجاوز المحنة بكل آثارها المفجعة عليهم وعليه.
لا أوهام، ولا غرق في أ حلام اليقظة، ولا هرب إلى التبسيط والتسطيح، بل تعامل جدي ورصين مع وقائع الحياة بجوانبها كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المحلية منها والعربية والدولية.
كل شيء بحساب ولاسيما الكلمات، فهي محددة ومحكومة بحس المسؤولية وبثقل الأمانة التي يحمل.
لا تطلبوا من الياس سركيس أن يساعدكم، ولا تنتظروا منه أن يطلب مساعدتكم التي هو بأمس الحاجة إليها.
إنه يمثل حالة فريدة من نوعها: فهو الرئيس أما الجمهورية فهي قيد التأسيس.
ومع كونه هادئ الطبع فمن المؤكد أنه سيقاتل من أجل وحدة لبنان.
ولن نطلب منه أكثر. فهذا هو دوره، حتى لا نقول قدره، وهذا هو بالضبط ما ينتظره منه اللبنانيون بل كل العرب.