لم تعرف زحلة الأحزاب، بشكل جدي، إلا عبر الحرب الأهلية وبسببها، وكواحدة من النتائج المباشرة لسيادة منطق الغرائز الطائفية فيها.
فزحلة ظلت “داراً للسلام” حتى بلغتها الميليشيات حاملة معها شبهة الارتباط بالعدو الإسرائيلي، وخطته لتدمير لبنان والمنطقة، فحولتها من مرابع أنس ومهابط وحي للشعراء العظام، ومصارف ومصالح ناشطة وزراعة متطورة إلى خطوط نار ومواقع قتال ومرابض مدفعية ثقيلة ومراكز تدريب على الموت وتدمير الذات تحت ذريعة السعي لتدمير الآخرين.
وزحلة ظلت عاصمة للبقاعيين، بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية والفكرية، برغم كل ما وقع فيها ولها وصدر منها على امتداد “حرب السنتين”، فلم ينقطعوا عنها ولم يحاسبوها على طيش الطائشين وتعصب المتعصبين ممن ركبوا الموجة الطائفية طلباً للزعامة من أبنائها.
لقد بقيت زحلة “جارة الوادي” وعاصمتهم، كما بقيت المكان الأثير للعرب عموماً ولجيرانها السوريين خصوصاً، تشدهم إليها روابط لا تنفصم ومواقف لا تنسى.
وفجأة أطلت على الناس، بقاعيين ولبنانيين عموماً، وسوريين وسائر العرب، زحلة أخرى، زحلة مختلفة، مشحونة بالحقد بدل المحبة وبالتعصب بدل التسامح.
وذهل الناس وهم يرون زحلة المزورة هذه تطل عليهم بلباس الحرب في حين ليس لها قضية، وليس بينهم وبينها ما يبرر القتال أو يوجبه.
فلا أحد حاول أن يكره زحله على ما لا ترتضيه، ولا أحد نادى بالانتقام من زحلة لأنه – على سبيل الفرض – حانق على بشير الجميل، وحتى حين انفجرت الأحداث في زحلة، قبل شهور، وتطورت متخذة أبعاداً خطيرة، وقف الناس من زحله موقف المشفق عليها، ولاموها فقط على الانجراف وراء قيادة لم تكن قيادة لها في أي يوم، وعلى التورط في التعاطي مع مخططات تقسيمية يعرف الزحليون – أكثر من غيرهم – إن ضررها – في ما لو تحققت – سيصيبهم هم بالذات، في حين أن منافعها (إن كان لها منافع) ستكون لغيرهم.
ومع تعاطفنا الكامل مع أبناء زحلة جميعاً رجالها ونسائها والأطفال، ومع توجعنا لوجعها ، فإننا نربأ بها وبأهلها – أهلنا – أن تتحول (بموافقتهم الضمنية أو بصمتهم) إلى موقع تقسيمي آخر، ترتسم على صفحته بصمات اليد الإسرائيلية، كما تأكد من خلال التحصينات الكتائبية المقاومة فوق تلالها في اتجاه الجرد.
إننا نعرف أن الكثرة الساحقة من الزحليين مع وحدة لبنان، ومع عروبته، ولم تحمل في أي يوم شعوراً بالعداء للعرب عموماً وللسوريين على وجه الخصوص، ولذا نستغرب أن تظل زحله خرساء يلجمها الخوف من المسلحين الغرباء الذين بعثت بهم الميليشيات إليها لتخريبها وتخريب البقاع كله، في حين يدعي صوت الكتائب أنه الناطق بلسان أهاليها وهم أفصح من عليها!
إن مشكلة زحلة في داخلها وليست مع الذين من حولها، ونحن ننتظر بالشوق كله، وبالحب كله، أن تستعيد زحله روحها ونفسها وصوتها لتعود إلينا ونعود إليها نغني معها ولها “زحلة يا دار السلام، فيكي مربى الأسودي”.