…ولكي تحقق قمة طرابلس الأهداف المرجوة منها تحقيقاً للصمود والتصدي لا بد من التوكيد على جملة شروط، وإن بدا بعضها في حكم البديهيات.
من هذه الشروط:
1 – أن يستذكر فيستحضر الإنسان العربي ليكون الحاضر الأكبر في القمة المصغرة.
ذلك أن الخطر يتهدد الأمة كلها، حاضراً ومستقبلاً، مصيراً ووجوداً، تاريخاً ودوراً وعلاقة بالحضارة، وأبسط مواصفات الرد على هكذا خطر أن يجيء “عربياً” يحس من خلاله كل مواطن من المئة وأربعين مليوناً أنه هو المعني، وإنه هو المخاطب، وإنه – وهذا هو الأهم – صاحب الدور الرئيسي في هذه المعركة، وإنه سيمكن، بالتالي من لعب هذا الدور بغير قيود.
وعلينا جميعاً أن نعترف بأن المواطن العربي يعيش حالة مفزعة تتراوح بين اليأس القاتل وبين الذعر القاتل من “الأجهزة”، وبين الإحساس القاتل بالتفاهة، لأن تلك الأجهة ألغته تماماً ونابت عنه في كل شيء ولم تعد تطلب منه غير بصمته في المواسم الانتخابية المعروفة النتائج سلفاً والمصطنعة أصلاً استكمالاً للشكل ليس إلا.
وآن لنا أن نعرف ونعترف، أخيراً، أنه لا يقاوم إسرائيل والمتعاونين معها والقوى المساندة لها، إلا المواطن العربي المحترم عقله، المحفوظة كرامته، المقدسة عقيدته، الحرة إرادته، والمتحرر من الخوف بالمعرفة.
بكلمة أخرى: لا يقاوم إسرائيل، ومن معها، إلا المواطن الممكن حقاً من أن يكون إنساناً، وليس ذلك “الشيء” المفروضة عليه تصرفاته والقناعاتع، المشكوك فيه حتى تثبت براءته من جرم أعمال العقل والتفكير بقصد الفهم والمعرفة، المحاسب بقسوة على رأيه في “الخفير”، لأن الخفير رمز “للأمير” وشخص الأمير هو الوطن، والمتطاول على “الشخص” مجرم بالخيانة العظمى.
2 – أن يكون التوجه قومياً، وأن تسود القمة روح “وحدوية”،
إن أحداً لا يطالب ولا يتوقع من المؤتمرين أن يخرجوا على الناس بإعلان قيام دولة جديدة للوحدة العربية، لكن الرد المطلوب يكون “عربياً” و”قومياً” أو لا يكون رداً على الاطلاق.
لقد سلك أنور السادات مسلكاً مداناً، قومياً، ولكنه اعتمد – في التغطية – على استنفار الإقليمية المصرية، وهو سيستمر في سياسة استعداء “المصريين” على “العرب” بل سيزيد من حدة هذه السياسة كلما أوغل في الطريق نحو التحالف مع العدو الإسرائيلي،
والإقليمية – عموماً – هي شيء آخر غير الوطنية، بل هي النقيض، والوطنية المصرية – تحديداً – كانت رافداً رئيسياً من روافد النضال القومي.
من هنا إن الرد يجب ألا يصيب، بأي حال، مصر والمصريين، وألا يسقط – ولو للحظة – التاريخ النضالي لشعب مصر العظيم ولجيشها البطل، وأن يتوجه إلى وطنية المصريين بقدر ما يخاطب عروبتهم.
أكثر من هذا: يجب أن يتضمن الرد فهماً حقيقياً لمأساة مصر والمصريين، واستعداداً غير محدود وغير مشروط لمساعدتهم في معركتهم الصعبة والقاسية التي فرضها عليهم السادات.
إن بعض العرب يعامل مصر كجارية، وبعضهم الآخر يعاملها كخادمة، وبعض ثالث يعاملها كمشروع مستعمر (بكسر الميم)، وبعض رابع يعاملها – بتأثيرات الماضي – وكأنها نبي معصوم،
ومصر ليست ، في النهاية، جارية ولا نبياً، ولكنها “الدولة” العربية (الوحيدة؟) وثلث الأمة العربية عدداً…
إن فيها عيوبنا جميعاً، لكن فيها أيضاً ذلك الفقر الذي لا نعرفه بل ولا نريد أن نعرفه، وفيها تلك “الدولة” التي قلما عنينا بإدراك دورها الأساسي داخل مصر… ربما لأننا ننظر إليها من خلال “الدولة” كما عرفناها في أقطار عربية أخرى، والتي هي أقرب إلى الحكومات المحلية أو ربما الإدارة الذاتية لهذا الإقليم أو ذاك، حتى لا نقول إنها قرب إلى المشيخات ورؤساء العشائر.
والرد على الإقليمية المصرية لا يكون بتجميع سائر الإقليميات العربية، أو معظمها أو بعضها، في مواجهتها وبمنطق من طبيعة منطقها ذاته.
إن ذلك، لو حدث، سيكون نصراً مجانياً يمنح للسادات الذي لا يرغب في شيء الآن قدر رغبته في استنفار الإقليميات العربية الأخرى… ففي حروب الإقليميات الربح مضمون للأكبر، خصوصاً وإن الإقليمية المصرية “مقننة” بحكم عوامل التاريخ والجغرافيا (الدولة المستمرة والضاربة عمقاً آلاف السنين، الاستقرار، الثبات، الشعور بالاكتفاء، الإحساس بكبر مصر “أم الدنيا” لدرجة الافتراض إنها العالم الخ).
3 – أن يكون التوجه من طبيعة تقدمية إنها معركة مع أعتى أشكال الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني والرجعيات المحلية المتحالفة معهما بكل ثرواتها الهائلة،
وفي معركة من هذا النوع لا تعود الاشتراكية ترفاً فكرياً أو وجهة نظر، بل هي هي المنهج، إذ عبرها وبفضل قوانينها يتم الوصول إلى أعماق الإنسان العربي المسحوق بالفقر – إضافة إلى القمع – وبالفوارق المريعة في المداخيل، مقارنة بالمداخيل “القومية”.