ليس مما يبعث على الاطمئنان – لبنانياً – أن يهرع وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية إلى المنطقة، مشيعاً من حوله جواً مفاده إنه آتٍ للاحتفال بنهاية ناجحة للمفاوضات الجارية لإجلاء المحتل الإسرائيلي عن الأراض اللبنانية.
فلو كان هذا هو بالفعل هدف أميركي أساسي لتحقيق من زمان، وبغير مفاوضات على الأرجح، فما كانت تريده واشنطن من لبنان، وما دفعها بالتالي لرعاية الاجتياح الإسرائيلي ومباركة نتائجه قد حصلت عليه بالفعل حتى من قبل أن يتسلم الرئيس امين الجميل مقاليد السلطة.
فليس سراً أن الحرب كانت أميركية – إسرائيلية مشتركة، وأميركية أولاً وأساساً ، على الأقل منذ انطلاقها وحتى لحظة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت.
فبقدر ما كان السلاح الأميركي أداة الحرب الإسرائيلية كان فيليب حبيب “منسق” النتائج والمشرف على توزيع الحصص، وهنا بالتحديد وقع الافتراق، إذ تعاطت إسرائيل مع الوضع المستجد بمنطق مختلف خصوصاً وإنها كانت الأقوى على الأرض.
وهكذا دفع لبنان (والعرب) ثمن التوافق الأميركي – الإسرائيلي، ثم ثمن التعارض في المصالح، وتحول مهندس الحرب الأولى (الأميركي) إلى وسيط يسعى جهده لمنع الحرب الثانية، ولو أدى ذلك إلى تكريسء ما هو قائم على الأرض في ما خص لبنان، ولو بأشكال مخففة وملطفة ومغلفة بنوايا ريغان الحسنة.
ولو كان إخراج قوات الاحتلال الإسرائيلي هدفاً أميركياص أساساً لما تجشم شولتس عناء المجيء إلى المنطقة والجلوس مؤدباً أمام مناحم بيغن ليستمع إلى مطالعاته حول الحقوق التوراتية لشعب الله المختار في أرض المنطقة ومياهها وسائر ثرواتها الهائلة.
إن شولتس آت لإجراء مفاوضات بين “الإمبراطورية” الأميركية و”الإمبراطورية” الإسرائيلية، وفي هكذا مفاوضات ليس ثمة متسع فسيح لمسالة لبنان. فالأضعف هو الذي يتلقى الضغط ويستجيب له بالاضطرار!
ومع إن الشراكة قديمة بين الإمبراطورية القائمة فعلاً والأخرى (الإسرائيلية) الماثلة في الأفق كمشروع قيد التنفيذ، فإن نتائج حرب لبنان عدّلت في الحصص جذرياً، ووسعت مجالها لتشمل المنطقة العربية بأسرها، بل وليتجاوز الطموح الإسرائيلي إلى حدود أفغانستان وبنغلادش وكل أفريقيا.
ما علينا، فلنتفاءل بالخير علنا نجده…
وبين أسباب التفاؤل كلام قاله مسؤولون أميركيون كبار، مؤخراً واحدهم موجود الآن معنا في بيروت وهو مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، نيكولاس فيليوتسز
قال مساعد شولتس في خلال ندوة نظمها “مؤسس حركة حياد لبنان” روجيه إده، وأذيعت على شبكات التلفزيون الأميركية: “ليست هناك ضمانة لإعادة تركيب لبنان، وإذا ما حصل ذلك فمن الأكيد إن متاعبد عديدة ستقع”.
وفي الندوة نفسها قال المسؤول الأميركي الآخر وهو واحد من المستشارين في مجلس الأمن القومي، البروفسور ادوار لوتفاك كلاماً أصرح- وأوضاح دلالة، جاء فيه: إن لبنان دولة وهمية وهو ليس بمجتمع سياسي، ولن يقوم فيه سلام أبداً!
وأضاف: لوتفاك، لا فض فوه: “في لبنان لا توجد أمة واحدة بل أمم عدة، والعمل على جمعهم بالقوة لا ينجح إلا إذا وجد من يقوم بدور الشرطي لإرغامهم على البقاء”!!
… وليس ثمة ما يوحي أن المستر شولتس سيكون هذا الشرطي،
كذلك ليس ثمة ما يسمح بالاعتقاد إن بين مهمات “الشرطي” الإسرائيلي توحيد “الأمم” اللبنانية.
مع هذا كله فلنتفاعل بالخير لعلنا نجده،
ونتمنى صادقين أن يكون هذا الخير آتياً في ركاب شولتس الذي أضيف اسمه الآن، وبأحرف من نور، إلى قائمة المنقذين الكثر،
ومن أسف إن القائمة الطويلة تسقط اسم شعب لبنان ذاته،
كأنما الإنقاذ يمكن فعلاً أن يجيء من الخارج، وكأنما لا دور للقوى الفاعلة في لبنان غير انتظار مجيئة واللعب في الوقت الضائع لعبة تفتيت ما تبقى من البلد وشعبه تحقيقاً لأغراض أصحاب الأغراض من ماريشالات آخر زمن.
عشية وصول شولتس، وبدافع التفاؤلن دعونا نخمن من يكون المنقذ التالي،