كلما حققت الحركة الوطنية في لبنان مكسباً جديداً، على صعيد التوازنات السياسية في الداخل، اهتزت صورتها وتشوشت في أذهان العديد من السمؤولين العرب!
تتقدم خطوة على الطريق نحو طموحها المشروع في بناء وطن حقيقي لكل واحد من بنيه حصة فيه، فتتهم – فوراً – بالشيوعية وتبني المبادئ المستوردة والتي هي هدامة بالضرورة!
ترفع صوتها مطالبة بلبنان وطناً، بما هو الوطن شعب وأرض وحدود (عندما يكون خلف الحدود عدو)، وبأن يستعد لمجابهة العدو الإسرائيلي الذي سيضربه مهما لطف حكام لبنان كلامهم ومهما داروا وسايروا ولاينوا وتساهلوا، بل وحتى لو فرطوا!.. فتكون النتيجة المباشرة أن يرفع هذا الملك العربي أو ذاك الرئيس صوته مناشداً “الأشقاء اللبنانيين” التزام الصمت والهدوء منعاً للازعاج، وحفظاً “لواحة الديمقراطية العربية”!
والعجيب الغريب إن هؤلاء السادة من الملوك والرؤساء يرون بوضوح تام عندما يتعلق الأمر بالحكام في لبنان، وبالنظام وأهله ابتداء بالكتائب مروراً بالرابطة والمارونية وانتهاء بالمرتزقة من تجار الإسلام السياسي!
المناداة بعروبة لبنان والتأكيد على انتمائه القومي يراها السادة من الملوك والرؤساء الحادا وزندقة وكفرا،
أما الانعزالية والطائفية والعشائرية والرجعية المتعفنة فيرونها من خصائص لبنان “الطبيعية” وميزاته التي جعلت من له فيه “مرقد عنزة” محسود!!
الجهر بحقيقة أن في لبنان فقراء ومعدمين ومظلومين، قد تكون أكثريتهم العددية من المسلمين لكن هذا لا يعني إن كل الظالمين مسيحيون، هذا، في نظر السادة الملوك والرؤساء، تهديد بشق لبنان – النموذج الفريدز
أما السكوت على الظلم والظالمين من مسيحيين ومسلمين، وأما الرضى بالقهر الطبقي والانسحاق بينما عدد أصحاب الملايين يتكاثر كما الفطر، فهذا تأكيد للوحدة الوطنية وترسيخ لها!
لقد قدم نظاما الحكم في مصر والسعودية مثلين “للجهل العربي”!
ومن الصعب على الحركة الوطنية في لبنان أن تصدق حكاية “الجهل” هذه… فالرئيس أنور السادات يحكم ليس فقط أكبر بلد عربي، بل أغنى بلد عربي بالتجارب والخبرات والأجهزة المتخصصة، ومن المستحيل أن تختلط عليه الأمور إلى حد يفترض معه أن كمال جنبلاط هدام وبيار الجميل من بناة لبنان المستقبل، لبنان العربي القوي المحارب.
والملك خالد بن عبد العزيز لديه أجهزة تعرف أرض لبنان بالشبر، وشعبه بالفرد، ويفترض أن مهمة هذه الأجهوة تنويره وليس تضليله.
هذا إلا إذا افترضنا أن “الموقف” مقرر ومتخذ، بغض النظر عن المعلومات والوقائع..
ومسلك الكتائب وحلفائها كان يوحي بأنها تستند إلى “موقف عربي” منها ومما يحصل في لبنان.
وفي كل حال نرجو أن يستفيد السادة الملوك والرؤساء العرب من نتائج الصراع في لبنان.. وأن تستفيد أيضاً الكتائب.
فلبنان الوطن، العربي، القوي، المحارب بدأ يخرج من دائرة الحلم إلى الشارع، وهذه أكبر حقيقة في لبنان.. بل إن لبنان غير موجود بمعزل عن هذه الحقيقة وبعيداً عنها.