مرة أخرى يواجه لبنان العالم، عبر شكواه إلى مجلس الأمن.
ومرة أخرى يجد نفسه مطالباً بتحديد هويته وانتمائه القومي، إذ أن العالم يتعامل مع الحقائق الأساسية وليس من الأساطير وحكايات “طحن الصخر” و”طرطشة الدنيا علم”!
لا جود للبنان اللامنتمي إلا للكون، شأنه في ذلك شأن المجرة والمريخ والدب الأصغر.
لبنان بلد محدد جغرافياً وبشرياً وسياسياً، ثقافياً واقتصادياً وتاريخياً، تماماً كأي بلد آخر، و”المميزات” أصغر من أن ترى من داخله فكيف من الخارج؟
لبنان، في العالم وأمامه، جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، من الأمة العربية، من العالم العربي إذا أحب أحد أن يجامل رشيد كرامي وبيان المصالحة على حساب حقائق التاريخ والجغرافيا والمصير الواحد.
ولبنان بهذا المعنى “فلسطيني”، تماماً بقدر ما أن سوريا “فلسطينية”، ومصر “فلسطينية”، والعراق “فلسطيني”، وكذا سائر الأقطار المنداحة بين المحيط والخليج، وبغض النظر عن عواطف حكامها وارتباطاتهم ورغباتهم الشخصية.
ولبان يبلغ حجمه الأقصى، كبراً وأهمية ومكانة، بالفلسطينية كهوية له وكانتماء نضالي.
فلبنان الفلسطيني أكبر من إسرائيل وأقوى وأبقى، بل هو – وبفلسطينيته وليس فقط بتعدد الطوائف فيه – الدليل الحي على تناقضها مع نواميس التاريخ، وهو مطلب البشارة يزوالها كدولة ومؤسسات وجيوش وأساطيل وطائرات مغيرة.
وبقدر ما يبتعد لبنان عن قدره الفلسطيني، ويحاول التنصل منه كانتماء نضالي إرادي، يصغر ويتضاءل ويصبح مجرد كيان مصطنع لشركة مساهمة بين مجموعة من الطوائف تحدد حصة الواحدة منها وفقاً لقوة ارتباطها بالجهات الأجنبية الأعظم نفوذاً…
إن لبنان الشركة الطائفية المساهمة هو لبنان الذي رأيناه يقتتل ويلتهم أجزاءه ويأكل بعضه بعضاً على امتداد السنة الفائتة،
أما لبنان الآخر، لبنان الوطن ولو في الطموح، فينضح صحة وعافية كأي بلد حقيقي: يعرف نفسه جيداً، يعرف أعداءه ولا يتوه عنهم، يعرف أشقاءه وأصدقاءه ولا يخلط بينهم وبين الأجنبي الطامع به مقراً أو ممراً.
لبنان الفلسطيني هو لبنان الذي يقف له العالم إجلالاً في الأمم المتحدة،
وهو الذي يقف معه العالم متضامناً، متعاطفاً ومسانداً، في مجلس الأمن، ويرى جراحه الناتجة عن غارات العدو الإسرائيلي أوسمة صمود لحساب مستقبل الإنسان – في كل مكان وزمان – ضد العنصرية والفاشية والإمبريالية العالمية.
حتى عرب الأنظمة المتخاذلة، وعرب النفط، وعرب الرجعية يهرهون إلى لبنان الفلسطيني ويتمسحون بأذياله.. بينما هم في لبنان – الشقة المفروشة “الأمراء” و”الكبراء” و”السادة” الذين بالكاد يتكرمون عليه بالبقشيش.
أما العرب الآخرون، العرب الأصحاء، فيرون في لبنان الوطن أخاهم الشقيق ويعطونه حق الأصغر والأولى بالرعاية خصوصاً وإنه مصدر كبر لهم وعزة: فهو، بفلسطينيته، دليل انتمائهم الأصيل إلى الحضارة ودليل إسهامهم الجدي والمؤثر فيها بالفعل وبالمثل الحي وليس بأساطير المردة والجن الأزرق!
لبنان الوطن، هو لبنان الفلسطيني، هو لبنان العربي، هو لبنان الحقيقي كما الإنسان.
أما ما تبقى فزبد وقبض ريح، تماماً كما يارا!