إذا كانت فلسطين هي الامتحان المفتوح لجدية الحكام العرب ولجدارتهم، فلبنان هو الامتحان المفتوح لعروبة الحكام العرب ولمدى صلتهم بالعصر، أي لمدى تقدمهم وتقدميتهم.
ونتائج الامتحان المزدوج، كما أظهرتها مجدداً سداسية الرياض ثم قمة القاهرة، مؤسفة جداًز
فلا يزال الحكام العرب يعتمدون على نوع مستهلك من الشطارة التجارية: يحسمون شيئاً من عروبة فلسطين ليعطوا لبنان، أو يلغون عروبة لبنان بحجة التصدق على فلسطين، فإذا ضاقت أمامهم السبل تنازلوا عن عروبة أقطارهم حسماً للجدار وتوكيداً على وحدة العمل القومي!!
كأنما الدنيا لا تتسع للبنان عربي ولفلسطين عربية،
أو كأنما العروبة لا تتسع في وقت واحد لهم وللشعوب التي يحكمون، فلا يبقى غير خيار يتيم وهو أن يحكموا في غيبة الانتماء القومي وعلى حسابه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
هكذا وبعد ثمانية عشر شهراً من الحروب فوق الأرض اللبنانية لم يجد الحكام العرب ما يقدمونه لوقف النزف غير المقترحات العملية التالية:
1 – أن تتنازل المقاومة الفلسطينية عن وهجها وزخمها وفعلها الثوري، تحت شعار الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار الأخرى.
2 – أن يتنازل التيار الوطني في لبنان عن طموحاته المشروعة إلى الاصلاحات “الدستورية” التي من شأنها أن تحول بلاده من مزرعة إلى وطن، وتحول الشعب فيه من رعايا للإقطاعات الطائفية والسياسية إلى مواطنين، وذلك تحت شعار ضرب التقسيم.
3 – أن تتنازل الدول العربية عن سلامة التراب القومي تحت شعار الحفاظ على الأمن القومي،
وإلا فما معنى تفويض سوريا بضمان الأمن الداخلي في لبنان وتناسي الخطر الإسرائيلي الداهم في الجنوب المتمثل في هذا التحالف العلني والمنطقي بين الدعوتين العنصريتين هنا وهناك؟
كيف، إذن، السبيل إلى تحرير فلسطين واستعادتها إذا حرمت على شعبها المشرد الثورة المسلحة؟
وكيف، إذن، يكون لبنان عربياً إذا ضربت الاتجاهات الوطنية لشعبه مع توفير الحماية “قومياً” للاتجاهات الانعزالية والطائفية فيه وهي الحليفة الطبيعية لإسرائيل؟!
واستطراداً كيف ومن يحمي الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وفقاً لمقررات القمتين، إذا ما سحق لبنان الوطني، أي العربي، والذي جعل فلسطين قضيته نتيجة لإيمانه بوحدة المصير القومي؟!
لقد فشل آلاف الجنود العرب (والسوريون أساساً) في حماية المقاومة الفلسطينية في الأردن حين عز نصيرها المحلي، أي الوطني، في وجه هجمة العرش ومن خلفه عليها العام 1970،
كذلك فشلت القمم ومقرراتها واللجان في وقف المذبحة حتى عند حدود جرش وعجلون،
مرة أخرى في خلال سنوات ست، لا أكثر، يريدون أن يعيدوا بنا وعلينا التجربة المرة،
… ويريدون، فوق هذا، موافقتنا، أو نتهم بأننا ضد الإجماع العربي، وإننا – بالتالي – هدامون ومخربون وملحدون باعتبار إننا لا نطيع ظلال الله في الأرض!
بعد أسبوعين من امتحان الرياض، وأسبوع واحد من امتحان القاهرة، تجيء النتائج مؤسفة جداً للحكام العرب،
فالجنوب مهدد، ونصفه قد “طار” فعلاً ليصير حزاماً أمنياً لإسرائيل، جنده من الانعزاليين اللبنانيين “المتطوعين” لقتال أخوانهم من اللبنانيين والفلسطينيين،
وما تبقى من لبنان موضع أخذ ورد بين قبائل “القوات اللبنانية” – كتائب، أحرار، تنظيم، حراس أرز، رهبان، شبيبة مارونية الخ – وبين القوات المسلحة السورية،
… والرئيس الياس سركيس يسعى مع الجميع جاهداً من أجل فتح الطريق إلى بعبدا ليماريس دوره كرئيس لكل لبنان، بعدما أعطاه الحكام العرب أصواتهم العشرين،
على هذا نرجو أن يؤجل هؤلاءالسادة العشرون حفلة تبادل التهاني على نجاح مجهوداتهم، من أجل إنقاذ لبنان والحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً،
فلا لبنان أنقذوا بعد ولا فلسطين،
والله نسال ألا يكونوا قد تسببوا في ضياع الجنوب.
برغم هذا كله فإننا لا نزال نتمنى أن ينفذ الحكام العرب ما اتخذوا من مقررات بشأن لبنان والمقاومة الفلسطينية،
على إن مرور الأيام يضعف من ثقتنا بجديتهم،
كذلك فإن تجرؤ كميل شمعون وأمثاله عليهم يشي بنقص في هذه الجدية وباستهانة وقحة بهم مجتمعين،
وأمام السادة العشرين، بعد، أن يمنعوا الاجتياح الإسرائيلي للجنوب، وأن يستعيدوا ثقة شعوبهم بهم،
وهذا هو بالضبط الرد العملي على كميل شمعون وأمثاله، وإلا اضطررنا إلى اعتبارهم جميعاً أعضاء في الحلف الواحد.. الشمعوني بالتأسيس أو بالتجنيس، لا فرق!