نحن مع الاتفاق السوري – الفلسطيني، بمعنى إننا مع تنفيذه وفي أسرع وقت،
نحن مع هذا الاتفاق لأننا، بالمعايشة والمعاينة والمعاناة الممضة، عرفنا النتائج المدمرة للخلاف السوري – الفلسطيني في لبنان. عرفنا ولن نستطيع أن ننسى ما عرفناه لقساوته وخروجه على المألوف والمتوقع والمعقول والمقبول.
ولأننا، كذلك، نقدر الجهد العظيم الذي بذلته بعض أطراف حركة الثورة العربية، وبالتحديد الجمهورية العربية الليبية بشخص قائد ثورتها العقيد معمر القذافي ورئيس حكومتها الرائد عبد السلام جلود، من أجل وقف النزف العربي بهذا الاتفاق الذي نريد ونتمنى له أن ينفذ فعلاً، وأن يحقق الهدف المرجو منه.
نحن مع الاتفاق لأن نتائج الخلاف كانت مروعة وأفظع من أي تصور، وهذه بعض ملامحها:
لبنانياً – تحول المواطن، ومشروع الوطن الواحد الموحد، إلى جثة في صندوق سيارة منزوعة اللوحات، متروكة على قارعة الطريق في انتظار أن ترشد إليها رائحة الموت.
الاسم: خليل إبراهيم سالم، من بطرام الكورة. واحد من قلة معدودة من رجالات الدولة التي انهارت، ممن ظلوا يعملون ويحاولون ألا يكون انهيارات انهياراً لمشروع ، بل لحلم، الوطن الواحد الموحد.
وفي زحلة، توقف مجموعة من المواطنين البسطاء، رمزهم يدعى الحاج حسن محمد درويش، ابن كيفون الوادعة، يوقفون: وجوههم إلى الجدار ومن الخلف يجيئهم رصاص التعصب، ثم تسلم الجثث وعليها الأوسمة، طعنات بالحراب في كل مكان، إلى الجيش السوري المحيط بزحلة التي كانت ذات يوم داراً للسلام.
وفي بعض الفنادق والنوادي يلتقي بعض تجار الدماء والسلاح البقاعيين بحضور قيادة القوات السورية في البقاع، وبرعاية بعض رجال الدين، ليجددوا الشراكة في أيام “السلام” كما في أيام الحرب، والربح – ولله الحمد – وفير والموسم ممتاز!
فلسطينياً – الصورة هي صورة مخيم تل الزعتر: مقاتل جريح يرفع يده المحترقة بإشارة النصرويردد العهد بالصمود والاستمرار في الثورة حتى النصر.
وبالتأكيد فإن المقاتل الفلسطيني صعق حين فوجئ بأن عليه أن يقاتل حليفة الأساسي، الجيش السوري، وعانى من التمزق والحيرة والتردد حتى حسم المدفع الشك باليقين وسيطرت فرزية الدفاع عن النفس.
وبالتأكيد فإن السؤال كان أكبر وأعلى صوتاً من دوي القذائف والصواريخ في ضمير المقاتل الفلسطيني، كما في ضمير الجندي السوري، كما في ضمير الوطني اللبناني: لماذا هذه المعركة القاتلة لنا جميعاً؟ ومن المسؤول عن الخطأ الكبييرالذي جعلها تحدث؟ ولماذا يفرض علينا أن نقدم لإسرائيل هذه الخدمة الذهبية التي لا يقبلها عقل أو نصف عقل؟
سوريا – يبدو واضحاً أن “التورط” تجاوز كل الحسابات، وإن هذه المعركة غير المبررة انتصبت علامة استفهام مدوية فوق رأس الحكم، وإنه لم يكن يملك جواباً يقدمه للشعب العربي في سوريا أو في أي قطر آخر دفاعاً عن موقفه… بدليل هذا التهليل المبالغ فيه للاتفاق الأخير، واتخاذه درعاً وستاراً لإخفاء ما كان قبله، واسباب هذا الذي كان ونتائجه المكشوفة.
نحن مع الاتفاق السوري – الفلسطيني لأننا عرفنا بحيث لا يمكن أن ننسى أبداً نتائج الخلاف والصدام.
ففي ظل الخلاف عادت إلى الساحة تلك الزعامات الاقطاعية، سياسية كانت أم دينية، وكلها للمناسبة طائفي، تطرح نفسها وشعاراتها ومناهجها البالية حلولاً للأزمة المعقدة والمتعددة الجوانب.
وفي ظل الخلاف أمكن لهذه الزعامات أن تلعب لعبتها القذرة في النبعة، فتبعث الأوتوبيسات لتهجير أبنائها الصامدين والمقاتلين دفاعاً عن صمودهم فيها…
والواقع أبلغ من أي وصف: فالأوتوبيسات تنقل أبناء الجنوب أساساً إلى المنطقة الغربية ليعودوا منها إلى قراهم.. حيث تنتظرهم السيارات العسكرية الإسرائيلية والعروض بالليرات اللبنانية لكي يذهبوا للعمل في مصانع العدو في داخل الأرض المحتلة.
نحن مع الاتفاق السوري – الفلسطيني،
لأن الجميع كادوا ينسون إسرائيل في ظل الخلاف، فلعلهم يعودون إلى ممارسة الدور الوطني بل القومي التحريري في ظل الاتفاق:
تعود المقاومة لتمارس، وبكل ثقلها وقدراتها، دورها في مقارعة العدو ومنازلته حيثما هو،
ويعود الجيش السوري إلى موقعه ودوره الطبيعي في المعركة ضد العدو الوطني والقومي والحضاري لهذه الأمة،
… ويعود شعب لبنان، بقيادة حركته الوطنية إلى متابعة نضاله المشروع من أجل بناء وطن عربي ديمقراطي متحرر يلعب دوره – حسب إمكاناته – في معركة المصير الواحد ضد صهاينة الداخل وصهاينة الخارج.
نحن مع الاتفاق السوري – الفلسطيني،
لأن التاريخ سيذكر إنه في ظل الخلاف “بدا العهد الإسرائيلي” في لبنان بالجسور المفتوحة وبعروض العمل للمحتاجين من فقراء الجنوب في نصانع إسرائيل المتقدمة على كل العرب.
وليس مما ترضاه المقاومة لنفسها، أو برضاه الجيش السوري لنفسه، أو يرضاه شعب لبنان لنفسه، أن يقال إن أول “مواطن لبناني” قبل عرضاً بالعمل في داخل إسرائيل فقط في هذا الوقت بالذات وليس قبله أو بعده.
وبالتأكيد فإن ذلك الضابط السوري الكبير الذي أعلن بشيء من الزهو إن القوات السورية تهيمن على ثلاثة أخماس لبنان، يعاني الآن – مثلنا – من أزمة ضمير وهو يقرأ أو يسمع عن الجسور الإسرائيلية المفتوحة مع جنوب لبنان.
ومرة أخيرة: نحن مع الاتفاق لأننا نعرف نتائج الخلاف المدمرة للجميع.