لو إن الأجواء في المنطقة العربية، ولبنان منها، طبيعية وعادية، لكنا أكثر استمتاعاً بالمعارضة من الرئيس سلام بالحكم.. فتصور!
ذلك إن الرئيس سلام يحرمك، مهما طابت نواياك، نعمة الموالاة. وكلما افترضت إن جعبته قد فرغت مما يستثير، بل ويستفز، وجدته يباغتك بحكاية جديدة أين منها حكايات ألف ليلة وليلة ومسرح اللامعقول.
ومن مزايا الرئيس سلام أنه، مع تكليفه، يدخل في حالة تمثل طريفة لدور ملك العالم، بالأنس والجان فيه، فتراه يمد بصره ويديه وظله إلى الأقطار المجاورة، فإلى حوض البحر الأبيض المتوسط، فإلى العالم الثالث ومؤتمرات عدم الانحياز، فإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث يلقى مجتمع الدول بصدره الرحب ولسانه الذرب وكفاءاته المتعددة وحلوله الجاهزة لكل ما تقدم من مشاكل وما تأخر.
على إن ذلك كله ما صرفه يوماً، في الماضي، ولن يصرفه يوماً في الحال والاستقبال، عن الاهتمام بقضايا ثانوية وصغيرة من نوع أرض الغدير، وأوقاف المقاصد، والكروتال، والمصفاة الثالثة التيستجف آبار النفط في السعودية قبل أن نراها قد انتصبت شامخة فوق أرض لبنان.
وهكذا فإنك إن لم تجد ما تعارضه من ممارسات الرئيس سلام وسياسته في الداخل، وجدت في علاقاته بالأشقاء والجيران، وإن عزت المعارضة هنا وهناك هب الرئيس لنجدتك من أبعد نقطة في الدنيا وظل يلح عليك، ويستحلفك بكل عزيز على قلبك أن تمحضه معارضتك… حتى لا نقول خصومتك.
وإذا كانت حالة القبول به حاكماً من موقع المعارضة قد باتت عادة من عادات المواطن اللبناني وتقاليده، فلا نظن إن الأمر كذلك مع الرئيس سليمان فرنجية… إذ تنقلب معه الاية، فيصبح مضطراً للقبول به معارضاً من موقع الحكم…
وصحيح إن سلام لم يكلف إلا بعدما تخلى عن شروطه، التي يعرف القاصي والداني إنها كانت للاستهلاك المحلي، إلا إن هذا التخلي لا يمسح آثار رفعها ذات يوم، ثم التذرع بعدم الاستجابة لها والخروج بطريقة جعلت العهد يدفع حق الاستهلاك المحلي وغير المحلي أيضاً!
والخوف أن يدفع العهد، ومعه لبنان هذه المرة، ثمناً لعودة سلام يزيد بكثير عن ذلك الذي دفعه ثمناً لخروجه بعد مجزرة فردان التي أوصلتنا إلى محنة أيار 1973 وكلاهما لم يسقط بعد بمرور الزمن.
… وبرغم كل شيء، فها هو قد عاد كأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عينيه!
ولعينيك يا أبا تمام!