على ضوء أخبار واشنطن يمكن، الآن، إعادة قراءة البيان المصري – الأردني الشهير، بكل ما تلاه من توضيحات وتعقيبات وتفسيرات اتخذت طابع التراجع عن النص، وعن الروح أيضاً كما يقول الأردنيون.
ويمكن، أكثر من أي يوم سابق، فهم دلالة التطمينات السعودية لحركة فتح خاصة وللمقاومة عموماً حول البيان وحجم التراجعات التي تمت بعد صدوره حتى كادت تلغيه تماماً.
فهذه التطيمنات كانت تستهدف، أصلاً، تمييز الموقف السعودي عن الموقف المصري (وبالطبع الأردني)، لاستغلال هذا التمييز – إذا ما سلمت به المقاومة – في وقت لاحق كعنصر ضغط إضافي على المقاومة.
فبينما كان رسميو القاهرة يهمسون في آذان المتصلين بالمقاومة أن القصد من البيان هو تطويق الأردن وتجميده حتى “لا يتورط” في اتصال مباشر مع إسرائيل،
وبينما كان رسميو الرياض يبلغون فتح بالذات، أن أغفالهم بعض العبارات في البيان المصري – السعودي المشترك إنما تم من أجل تطويق الموقف المصري ووقف التوجه نحو الأردن،
إذا بالحقيقة تتكشف عن أن المقاومة كانت الطرف الوحيد الذي استهدفته خطط التطويق المصرية – الأردنية – السعودية – الأميركية.
ومفهوم طبعاً أن يحاول إسماعيل فهمي بتصريحاته طمأنة نفسه أولاً، ثم طمأنة من يعنيهم الأمرن إلى أن كل شيء هادئ على جبهة واشنطن، وأن لا تغيير مبدئياً في ما رسم من سياسات وما عقد من اتفاقات، وما أطلق من وعود وتعهدات، وأن التغيير في حال حدوثه سوف يكون باتجاه الأفضل.
فإسماعيل فهمي لا يملك خياراً في الاستمرار بالمقامرة حتى نهاية اللعبة. أو ليست لعبته؟ أو ليس هو الجوكر فيها؟..
لكن غير المفهوم أن ترتضي مصر لنفسها دور شاهد الزور في الجرم الذي يرتكبه الآن النظام الأردني في واشنطن.
فمصر، رغم كل شيء، ليست الأردن، وليست السعودية، وليست بالتأكيد الولايات المتحدة الأميركية.
إن الضغوط تشتد على المقاومة، والمتبرعون بالوساطة وبذل المساعي الحميدة يتزايدون ويتزايد إلحاحهم على المقاومة بأن تعود إلى القاهرة فتنسق معها (ومع سوريا).
والمقاومة واضحة الرغبة بالعودة وبتجديد التنيسق.
لكن السؤال هو: على من سيتم التنسيق، بعدما وصل النظام الأردني في علاقاته بإسرائيل إلى نقطة اللارجوع؟
إن التنسيق في ظل أي التباس حول الموقف المصري من النظام الأردني، وليس فقط من حقوق المقاومة أو من قضية فلسطين ذاتها، لا يعني أكثر من “اتفاق جنائي” أو تواطؤ مع النظام الأردني على القضية وأهلها.
ولم يعد يكفي الآن أن تقول القاهرة إنها ألغت البيان المصري – الأردني المشترك، بل صار المطلوب موقفاً واضحاً من الممارسات السياسية للنظام الأردني التي يمكن تصنيفها بين الكبائر كالخيانة العظمى والاتصال بالعدو وما شابه.
وطريق القاهرة إلى إبراء الذمة من هذه الممارسات الأردنية تقودها بالتأكيد إلى تجديد علاقتها بالمقاومة.
أما إذا أصرت القاهرة على اختيار طريق آخر فلن تنفع الضغوط التي تمارس الآن على المقاومة إلا في تعزيز مواقع النظام الأردني ليس فقط في الأردن بل أيضاً في داخل مصر (وسوريا) والعراق، إضافة إلى السعودية وإمارات النفط.
وفي مثل هذه الحالة يصبح ما يقوم به النظام الأردني في واشنطن هو التتويج المنطقي لمجمل الممارسات السياسية التي أعقبت حرب رمضان المجيدة.
ويصبح هذا النظام المصري أو السعودي، رمز المرحلة المقبلة وفارسها.
والكلمة، بعد، للرئيس السادات.