مع وعينا الكامل بأننا سنكون “كالأيتام على مأدبة اللئام”، فنحن نرحب بالقمة العربية المقترحة لمعالجة المسألة اللبنانية.
أكثر من هذا نعلن، سلفاً، إننا سنتبرع لأصحاب الجلالة والسيادة والعظمة والسمو الذين سيلتقون فيها بخريطة طبيعية للوطن العربي من محيطه إلى الخليج، علها تساعدهم فتهديهم سواء السبيل.
لماذا الخريطةن يتساءل بعضكم؟
والجواب بسيط جداً، وإن كان متعدد الجوانب:
1 – لكي “نثبت” للحاكم في سوريا إن الطريق إلى الجولان لا تمر بلبنان، وإن العدو الإسرائيلي في الناحية الأخرى من الحدود، وإن أعداء العروبة في لبنان من حلفاء هذا العدو الإسرائيلي هم بالضبط الأطراف التي ارتضى أن يحالفها ضد الذين جعلوا سوريا – ذات يوم – قلب العروبة النابض.
وعلى الهامش فلسوف نكون مضطرين أن نثبت لهذا الحاكم أن تحرير فلسطين لا يتم بتصفية الفلسطينيين، وإن حماية المقاومة لا تكون بإبادة الفدائيين، وإن توكيد عروبة لبنان لا يتحقق بالقضاء على كل مناضل وطني وتقدمي في لبنان.. وحدهم الوطنيون والتقدميون هم الدليل على عروبة لبنان وهم حماتها.
وعلى الهامش أيضاً فلسوف نكون مضطرين لإقناع حاكم دمشق ببديهية صعب عليه أن يقتنع بها، وهي التالية: إذا افترضنا أن قيادة المقاومة (والحركة الوطنية) مخطئة في التحليل أو التقويم أو في الممارسة السياسية، فإرجاعها عن الخطأ لا يكون أبداً بقتلها ورمي جثثها في نهر الكلب.
وإذا سلمنا معه جدلاً بأن طريق المقاومة إلى فلسطين لا تمر بعينطورة (أو جونيه)، فمن باب أولى أن يسلم معنا بأن طريقه هو إلى فلسطين لا تمر بصوفر ولا ببدنايل وتمنين وقصرنبا، ولا بصيدا، ولا خاصة بدار المعلمين ومطار بيروت وحاجز التجويع في خلدة.
2 – لكي نثبت للحاكم في مصر أن استعادة الأرض المحتلة لا تستوجب نقل الجيش المصري إلى حدود الجمهورية العربية الليبية وحشد فرقة هناك، ولا تستدعي بأي حال أن يؤتى بالأسطول المصري لتنثر مدمراته وفرقاطاته فوق سطح البحر بينما تكمن في القمر الغواصات “للغزاة الليبيين”!
وعلى الهامش فلسوف نكون مضطرين لأن نذكر هذا الحاكم بأن وجوده هو السبب في مأساتنا التي تعصر قلبه الكبير. لو إنه بحجم مصر، ولو إنه حفظ قدر مصر ومكانتها وهيبتها لما تجرأوا علينا وعلى الفلسطينيين وعلى مصر، أي على الأمة كلهاز
هو الذي أغراهم بنا: بينما هم يذبحون تل الزعتر بكل من فيه، كان هو يشهر سيفه “اليماني” ويهجم على ليبيا ليؤدبها.. وتضج صحفه باعلانات يطلب فيها كشف “المخربين الليبيين”.
كل هذا في ظل اتفاق سيناء، الذي أضاع مصر دون أن يعيد لها ولو حفنة من رمال.
3- لكي نثبت للحاكم في السودان أن حدوده مع ليبيا هي بعض أسباب عروبته، وإن لا مكان لجيشه – بالتالي – هناك، وإن القوة لا تكفي قاعدة للحكم ومبرراً، وإن الثورة ليست مهرجاناً ولا بزة مزركشة بل هي إنجازات ومكاسب وإصلاحات تنقل البلاد من حل إلى حال وتؤمن للشعب قوته وأسباب التقدم والرقي.
4 – لكي نثبت للحاكم في الجزائر إن ما يجري هنا في المشرق أهم وأخطر، حتى على عرشهن من حفنة الرمال الصحراوية على كل ما فيها من فوسفات ونحاس ونفط وكنوز أخرى.
… على إننا نريد، بالمقابل، أن نعطى حق الاطلاع على بطاقات أصحاب الجلالة والسيادة والعظمة والسمو.
نريد أن نتحقق من منهم “الكتائبي” ومن منهم “الوطني الحر” ومن هو المنضوي إلى “التنظيم” أو “حراس الأرز”.
إن الكتائبيين يتباهون على الجميع مدعين بأن أكثرية الحكام العرب هم أعضاء عاملون في المكتب السياسي لحزب الله والوطن والعائلة.
لكن شمعون يؤكد إن الأكثرية تنتمي إلى “قبيلته” هو ويضم إلى ملوك العرب شاه العجم (تقرباً من الشيعة!!)،
وبرغم إننا نعرف ميل قادتنا الأماجد إلى “الوحدة”، وتفضيلهم التعامل مع “الجبهة اللبنانية” كجبهة موحدة ومع قواتها كجيش أي قوة ضاربة موحدة، فإن ما جرى ويجري في لبنان يفرض بعض الدقة في استخلاص النتائج.
ذلك إن لنا “ثأراً”، نريد أن نحفظه، للتاريخ ليس إلا،
لقد ذبحنا وقتلنا وأكلنا بالسلاح “العربي” المصدر، وبأموال “عربية” المتبع، وبرصاص “عربي” مدموغ بوشم (لا إله إلا الله…)، ومن حوله تتسامق النخلة التي يتقاطع عليها سيفان!
وإذا ما توقفت الحرب الآن فلسوف يكون قرار وقفها “عربياً” بنسبة ما، حفظاً للمظاهر.
ومن حقنا أن نحفظ في صدورنا وفي ضمائر أطفالنا أسماء القتلة الذين فتكوا بنا، بيد الكتائب والشماعنة ومن لف لفهم، فقط لأننا أردنا أن نكون عرباً أصلاً وأن نتشرف بالانتماء إلى هذه الأمة المجيدة.
لقد قاتلنا ولا نزال نقاتل من أجل كرامة هذه الأمة، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وحتى لا يسجل تاريخها إن شعب فلسطين قد ابيد (ومعه قضيته) فوق أرض لبنان بأيد “عربية” تحمل سلاحاً “عربياً”، وفي ظل تواطؤ “عربي” شامل.
ولسنا نادمين على ما فعلنا،
ومن حقنا أن نفترض أن أصحاب الجلالة والسيادة الخ. هم الذين سيندمون،
لهذا كله نصر على أن نعطى حق الاطلاع على بطاقات العضوية فنعرف – بدقة – من هو الكتائبي ومن هو الشمعوني ومن هو حارس الأرز الخالد،
… مؤكدين من جديد ترحيبنا بانعقاد القمة العربي لمعالجة المسألة اللبنانية التي تلخص هذه الحقبة من التاريخ العربي بكل المباذل والموبقات والمساخر فيها، وأيضاً بكل نبضات الأمل الواعدة بفجر جديد.