ما يحدث في لبنان، وللبنان، في هذه الفترة يطرح، وبحدة، قضية قومية المعركة ومسؤوليات سائر الأطراف العربية فيها.
نقول هذا الكلام وموقفنا محدد ومعروف من النظام الفريد القائم في لبنان. فنحن من المنادين والعاملين لتغييره، إذا استطعنا إلى ذلك سبيلاً، نتيجة ليأسنا من إمكان تطويره.
لكن هذا الموقف المبدئي لا يحجب، ولا يجوز أن يحجب، المسؤولية الكبرى تجاه تراب لبنان الوطني وتجاه مواطنيه الذين تشردهم إسرائيل بالتقسيط.
تماماً كما أن موقفنا الرافض لكثير من الممارسات السياسية للقيادة المصرية لا يجعلنا ننسى مصر وشعبها العظيم وجيشها – الدرع.
فالمعركة قومية أصلاً وفرعاً،
والعدو قومي، والصراع معه صراع وجود وليس خلافاً على حدود،
و”القضية” في جانب أساسي منها تتجاوز الحكم والحاكمين والنظم ذاتها لتطرح نفسها كمسؤولية قومية. فأمن مصر (أو سوريا أو لبنان) وسلامة ترابها الوطني ليسا من الأمور الداخلية التي لا يجوز التدخل فيها، أو التي تجوز فيها المناقشة على ضوء الموقف من نظام الحكم القائم وتوجهاته.
كذلك فإن المقاومة الفلسطينية، وجوداً ومصيراً، شأن يعني كل عربي وليس فقط المقاتلين الفلسطينيين.
وأي غياب أو تغييب للمسؤولية القومية، وللدورالقومي المطالب به كل قطر، وبالتحديد كل نظام وطني وتقدمي يرفع شعارات الوحدة والاشتراكية، تكون له انعكاسات سلبية مفزعة على مسيرة النضال العربي كله.
وإذا أخذنا النموذج اللبناني، مجسماً بكفرشوبا، لجاجبهتنا النتائج الخطيرة الآتية:
1 – ارتباك الأطراف الوطنية التي وجدت نفسها وحيدة، تقريباً، في مواجهة إسرائيل ومن معها (في الخارج)، والقوى الانهزامية (في الداخل)… هذا إضافة إلى موقف النظام منها، وهو غير ودي، على الأقل، وإضافة إلى المأساة القادمة من الجنوب والتي تكبر كل لحظة – ككرة الثلج – مع استمرار العجز عن توفير حلول ناجعة وسريعة.
2 – الحرج الشديد الذي تعيشه الأنظمة المطالبة بموقف محدد وفوري لوقف ما يجري في لبنان، يصل في تمني البعض إلى التدخل العسكري المباشر.
3 – نمو وتنمر التيار الانعزالي الرجعي الاستسلامي، داخل لبنان، وخروجه إلى السطح بعد غياب، ملوحاً بخطر الفتنة الطائفية، مستقوياً على الحركة الوطنية – أساساً – بهشاشة الموقف العربي العام،
4 – المحنة التي تعيشها المقاومة الفلسطينية المطالبة – جماهيرياً – بأن تضرب أكثر وأكثر داخل الأرض المحتلة، والمدعوة – سياسياً – إلى إثبات وجود عسكري يتناسب مع ما تحقق لها على المستوى الدولي، بينما هي محاصرة ومحصورة في شرنقة “الوضع اللبناني الخاص”.
لقد نزحت كفرشوبا، وتبعتها كفرحمام وراشيا الفخار،
والنزوح خطير في ما يرتبه من نتائج على العلاقات “المتوازنة”، بين القوى المختلفة في لبنان، وبما قد يجره على الأنظمة العربية المطالبة بحكم مسؤولياتها القومية ودورها القيادي.
والتبرعات ليست حلاً، وغن كانت مطلوبة بوصفها تأكيداً مادياً للمشاركة والمساندة وتدعيماً عربياً لإمكانات الصمود اللبناني،
كذلك فإن القوات والأسلحة (وضمن الظروف السائدة) ليست وحدها الحل، وإن كان ضرورياً الإلحاح على إرسالها إلى الحدود اللبنانية، تأميناً للجبهة السورية، إضافة إلى دورها المفترض في حماية جنوب لبنان وتثبيت أهله فيه.
المطلوب موقف قومي من القوى القومية،
موقف يؤكد الالتزام بقومية المعركة، منطقاً وواجبات،
موقف يتجه إلى المواطن ( في مصركما في لبنان وسوريا) فيساعده على التخلص من همومه اليومية، ويمنحه الثقة بالنفس والثقة بأخوته العرب والثقة بسلامة القضية، ويثبته في أرضه، ويثبت فيه إيمانه بوحدة المعركة نتيجة لوحدة المصير.
وكلما تأخر إعلان هذا الموقف والالتزام بمسؤولياته فرض على الحركة الوطنية في داخل كل قطر عربي أن تخوض وحيدة معركة غير متكافئة مع عدوها القومي ومن معه، ومع مجموع خصومها المحليين في آن واحد.
أي أن “الجزء” يكون مطالباً بأن يتحمل مسؤولية كبرى تنحى عنها “الكل”.
وفي النهاية، فإن القوى القومية العربية مطالبة بأن تؤكد – وكل يوم، وبالدليل الحسي الملموس – إن “العرب” ليسوا وهماً وليسوا فقط حفنة من الملوك والحكام الرجعيين، وإنما هم أساساً قوة حقيقية – عسكرياً واقتصادياً وسياسياً – موضوعة بتصرف أي قطرعربي وكل قطر عربي تهدده إسرائيل،
ومرة أخرى: بغض النظر عن نظامه وموقفنا من هذا النظام.
فالمهم، آخر الأمر، المواطن والوطن أما الحكام والأنظمة فتذهب جفاء!
والمهم، المهم، المهم: ألا ننسى إسرائيل!