ثقلت فاتورة “السلام الإسرائيلي” على لبنان، كما أعاد تحديدها رئيس وزراء “العدو” اسحق رابين، بحيث بات متعذراً دفعها!
فكلما فتح قطر عربي “جديد” حدوده وأبواب عاصمته ومركز القرار فيه أمام “العدو” الإسرائيلي، أضاف هذا العدو شروطاً جديدة إلى شروطه القديمة من أجل منح “السلام” للأقطار الصامدة في وجه عدائيته.
وهكذا فإن لبنان، مثلاً، عليه أن يدفع ثمن “السلام” الإسرائيلي، مضاعفاً مرات عدة: إذ عليه أن يدفع الآن ثمن انفتاح المملكة المغربية والجمهورية التونسية والمنظمة الفلسطينية وأخيراً وليس آخراً ثمن الضيافة التي وفرتها السلطنة العمانية للوفد الإسرائيلي الذي جاءها، لأول مرة، ضمن المفاوضات المتعددة الأطراف لمناقشة “مسألة المياه في الشرق الأوسط”.
كذلك فشطب “المقاومة اللبنانية” من المعادلة السياسية الداخلية فاتورة جديدة يمكن أن تضاف إلى الرصيد المجمد لحساب “الحزب” الإسرائيلي الآخر داخل لبنان: ميليشيا أنطوان لحد وأمن الشريط الحدودي، أي أمن الاحتلال الإسرائيلي، حيث هو قائم فعلاً، وحيث يمكن أن يحدد تخوم مداه الحيوي!
وإذا ما تردد الحكم في بيروت تحرك السفير الأميركي “لينصح” بضرورة تلبية الجديد من الشروط الإسرائيلية “حتى لا تتدهور الأوضاع ولا يتعذر دفع العملية السلمية إلى أهدافها المرجوة”!
على هذا “فالسلام” مع لبنان عملية معقدة لا يمكن أن تختصر مراحلها ولا أن يقلص زمانها: فشهادة حسن السلوك العتيدة لن ينالها الجيش على أدائه الممتاز في إبادة “حزب الله” وسائر أنواع المقاومة للاحتلال إلا بعد ستة شهور من صمت آخر بندقية واطمئنان آخر مرتزق في ميليشيا لحد إلى مستقبله داخل مركز القرار في بيروت،
في خط مواز يفترض أن تسير عملية التطبيع، فيرتفع علم العدو الإسرائيلي في بيروت، وتنشط عمليات التبادل الاقتصادي والسياحي والثقافي معه، بغير قيد أو حاجز أو شرط،
فإذا ما نجحت الحكومة اللبنانية في هذه الامتحانات: أمن الاحتلال الإسرائيلي، وتأمين مرتزقته على مستقبلهم داخل السلطة المركزية في بيروت، وسريان التطبيع بغير معوقات أو موانع عقائدية أو سياسية أو عملية، أمكن التكرم عليها ببدء مفاوضات من أجل مستقبل الاحتلال، وبالتالي مستقبل عودتها إلى الأراضي اللبنانية المحتلة،
خلال أقل من سنة يمكن الوصول إلى معاهدة سلام، إذا ما نفذت الحكومة اللبنانية الشروط الإسرائيلية بغير مناقشة أو تعديل، فاختفى آخر مقاوم، وظهرت الأعلام ذات النجمة الزراقء فوق دواوين الحكم في بيروت التي سيستقر فيها نخبة من المرتزقة المطاردين ا لآن في “الشريط الحدودي”،
أي أن إسرائيل تعرض ، ببساطة، أن تنسحب من منطقة احتلالها بقدر ما تؤكد وجودها ونفوذها في بيروت.
إنها تعرض ما لا قبل للبنان برفضه: أن يتحول عملاؤها الذين يتحكمون الآن ببعض أهل الجنوب إلى حكام لكل أهل لبنان انطلاقاً من العاصمة بيروت… وباسم الشرعية لا بقوة قهر الاحتلال العسكري!
… وفي عُمان يتباسط “اليوسفان”، بن علوي وبيلين، وكأنهما “شتيتان” كانا يظنان كل الظن إلا تلاقيا!
وليس مجدياً أن يلام الوزير الخطير يوسف بن عبد الله العلوي على أكل لحم أشقائه في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين نفسها، نيئاً… فهو كان يتشهى مثل هذه اللحظة ويعيش لها ومن أجلها منذ زمن بعيد.
وهو كان قد سارع إلى إعلان الخروج على عروبته من قبل أن يصل الإسرائيليون، حتى لا يتهم بأنه أقدم على ذلك تحت الضغط، ضغط كرم الضيافة، أو ضغط الحرج الدبلوماسي،
المهم أن كل عربي تقريباً يلتهم الآن لحم أخيه العربي نيئاً، عملاً بقاعدة “يا روحي ما بعدك روح”،
لكن أكل لحم الأشقاء نيئاً أو مشوياً لا يوصل إلى السلام، لا مع العدو ولا خاصة مع الذات.
ذلك كله يمهد للاستسلام العربي المطلق، وللهيمنة الإسرائيلية المطلقة، على القرار العربي في ما بين المحيط والخليج، تمهيداً لقيام “الشرق الأوسط الجديد” الذي رسم ملامحه الكاملة وزير خارجية إسرائيل وصانع اتفاق أوسلو شيمون بيريز.
الأمل الوحيد الباقي أن ينقسم العرب حزبين: حزب إسحق رابين، وحزب شيمون بيريز، وأن ينتظروا حسم الصراع بين الحليفين اللدودين في قيادة حزب العمل الإسرائيلي،
وفي أي حال فلقد أرجأ إسحق رابين، وهو الأقوى حتى إشعار آخر، “السلام” مع لبنان سنة أخرى على الأقل،
وفي ظل هذا الإرجاء يكتسب السؤال الذي طرحه رئيس الجمهورية على الموفد الأميركي روبرت بيليترو، الذي زار لبنان قبل بعضة أسابيع مشروعية مطلقة، “-لماذا تأتينا الآن، ولم يكن زملاؤك السابقون يتكرمون بالتوقف في بيروت؟! ترى، هل جاء دورنا على جدول المفاوضات؟! إن كان الوقت مبكراً، بعد ، فالرجاء أن توفروا علينا ما ننفقه على وفدنا إلى واشنطن، فنحن دولة فقيرة، لا نملك ما نهدره على ترف الثرثرة في مكتب مغلق بوزارة الخارجية في العاصمة الفيدرالية الأميركية”.
ترى هل يجيب إسحق رابين، على السؤال اللبناني وبلسان “عُماني” فصيح، يتحدث العربية على كره منه، ويجرج من العروبة إلى العبرية بغير أن يرف له جفن؟!
لعل هذه أبرز نتائج المؤتمر الذي انتهى أمس في عُمان،
والبقية تأتي،
والخير في الخواتيم.