طلال سلمان

على الطريق إسرائيل: حكومة العرب المركزية!

إلى ما قبل التوقيع الفلسطيني ثم التوقيع الملكي كانت إسرائيل واحدة من “دول” المنطقة، قد تكون أقواها، لكنها “غريبة” فيها، “غريبة” عنها، معادية، رافضة ومرفوضة، وبالتالي فهي مهددة دائماً في وجودها، هاجسها الأمن وضمانتها التفوق المطلق (عسكرياً واقتصادياً وعلمياً) على مجموع “جيرانها” – الأعداء.
بعد التوقيعين بدأت القيادة الإسرائيلية تتصرف وكأنها “الحكومة المركزية” لمنطقة الشرق الأوسط، التي تتوزع أرضها الواسعة أقليات كثيرة، عرقية ودينية، بينها العرب والأكراد والشركس والتركمان والكلدان والحثيون والفراعنة والبربر والأحباش وأولئك المتحدرون من أصول أوروبية كالبولونيين والتشيكيين والروس والخزر الأوكرانيين الخ…
والتصرفات المتعجلة كما التصريحات المدروسة الصادرة عن تلك القيادة، وبالذات عن مهندس الشرق الأوسط الجديد، شيمون بيريز تحاول أن تتعاطى مع التصور الإسرائيلي وكأنه واقع قائم فعلاً، أو أنه “قيد التأسيس” ولا بد من التعجيل في إنجازه.
بل أن كلاً من إسحق رابين وبيريز يباهي العرب بأنه بنى فعلاً تلك “الدولة المركزية” التي لم يستطيعوا هم أن يقيموا بناءها فوق أرضهم، أقله في الألف سنة الأخيرة… وكما أن الأتراك العثمانيين قد ورثوا ذات يوم الدولة التي عجز أهلها عن إدارتها أو عن حمايتها، فإنه من حق الإسرائيليين وطالما أنهم الأقوى الآن، أن يرثوا كل من سبقهم من قوى أجنبية أو محلية. سلام الأقوياء يعطي الأرض للأقوياء.
للمثال فقط نشير إلى حديث صحافي أدلى به بيريز، يوم أمس، وفيه ما يفيد أن هذا الدبلوماسي الآتي من المخابرات والمتفرغ لصنع التاريخ، كما يرى نفسه، هو المسؤولي الفعلي والمباشر عن الأمن والمال والشؤون الخارجية والطاقة والأوضاع العسكرية لعدد من “الدول” العربية، كما أنه بالمعنى الاستراتيجي مسؤول عن الوطن العربي الكبير (من المغرب إلى اليمن) ومعه تركيا وإيران…
لم يعد بيريز يستشعر أنه طارئ أو غريب، أو أنه يتجاوز حدوده ويتدخل في ما لا يعنيه، بل أنه يتحدث بنبرة “القائد” ويقرر ما يراه مناسباً للعباد والبلاد!
إن حكومته هي الحكومة المركزية للمنطقة برمتها: هي تهتم بأمن لبنان جميعاً، وليس جنوبه المحتل فحسب، وترسم له سياسته مع سوريا تاركة له “شرف” التنفيذ،
ثم أن هذه الحكومة المركزية (الإسرائيلية) هي المعنية بنقص المياه في الأردن، وهي التي تقرر أن تمنحه “سلفة خزينة” من فائص المياه عندها (!!) منعاً لكارثة زراعية فيه ومن ثم اقتصادية!!
كذلك فهذه الحكومة المركزية هي المسؤولة على الضائقة المالية الخانقة في “المشيخة” الفلسطينية الموضوعة تحت الحماية الإسرائيلية، والمكلفة شرطتها بتعزيز القدرة القتالية لحرس حدود الاحتلال.
أما بالنسبة إلى سوريا المتمردة فتلجأ الحكومة المركزية إلى أسلوب التهديد بالنصيحة والتخويف بالإرشاد،
بغير تحرج يعطي رابين أو بيريز نفسه حق الحديث عن أي شأن “عربي – سابقاً”، بل ويقرر فيه.
فإسرائيل، الحكومة المركزية، هي التي تطلب من الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها الدول المانحة، أن تزيد قروشها قليلاً لمساعدة مشروع الحكم الذاتي في غزة – حتى لا يسقط عرفات (الآن) ومعه الاتفاق الإسرائيلي،
رابين لا حسني مبارك هو من يطلب، وهو من يعطي، وهو من يقترح الهيئة أو الجهة الصالحة لقبول القروض والهبات والمساعدات (!!) فإذا هي وكالة غوث اللاجئين وليست سلطة الحكم الذاتي،
… وإذا ياسر عرفات ومن معه من “الداخلين” مجرد أعداد إضافية من اللاجئين الذين تتولى شؤونهم وكالة الغوث بتفويض من الحكومة الإسرائيلية… وكأن غزة (وغداً الضفة) منطقة منكوبة يسمح بتقديم المساعدات لها عبر هيئة إغاثة دولية تابعة للأمم المتحدة أو للصليب الأحمر أو لأطباء بلا حدود!
كذلك فإسحق رابين، أو شيمون بيريز، وليس الولايات المتحدة، يقرر ويستطيع أن يمنح الأردن المزيد من المياه، وإلا مات عطشاً، لأن الطائرات الجبارة “ب – 52” لا تنقل المياه بل صواريخ الإبادة الجماعية.
أما في لبنان، فإن الحكومة المركزية (الإسرائيلية) هي وليست سوريا مصدر الأمن والأمان، ومن ثم الاستقرار كمدخل إلى الازدهار!
تبقى سوريا التي ترفض حتى اليوم، وبعناد لافت، الاعتراف بهذا الواقع، والتي لا بد من زيادة الضغط عليها من جهة، وبإضعاف دور الوسيط الأميركي تمهيداً لإلغائه كلياً، لإجبار دمشق على الاعتراف بالحكومة المركزية والتفاوض مباشرة معها،
لا إدارة بوش ولا خاصة إدارة كلينتون يمكنها التقرير نيابة عن إسرائيل أو باسمها.
ففي المنطقة “حكومة مركزية” واحدة، وعلى الجميع أن يتصلوا بها وأن يطلبوا منها، وأن يرجعوا إليها في مختلف شؤونهم وإلا كانوا كمن يحرث البحر أو يبني على الرمال المتحركة في الربع الخالي!
لقد مدت إسرائيل بالتوقيعين الجديدين (الفلسطيني والملكي) حدودها فباتت تطل على المحيط الهندي والخليج العربي، بما فيه الساحل الإيراني.
ومن الجهة الأخرى (الأفريقية) فلها منفذ مغربي على المحيط الأطلسي وعلى مضيق جبل طارق، ولها قاعدة وسيطة في تونس.
الأحلام تتحقق بأسرع مما توهم جيل الرواد من قاعدة الحركة الصهيونية!
والأسوار العربية تتداعى وتنهار بأسرع مما حلم القادة العسكريون لإسرائيل الفتية، الضئيلة المساحة، التي تعيش على المساعدات الخارجية، والتي يمكن أن تغطي رقعتها جميعاً المدافع العربية… لو أنها “نطقت”!
أحلامك ينفذها عدوك معكوسة فتلغيك بينما كنت تعتمد عليها لاستعادة دورك ومكانتك في العالم!
لا أحد ينفذ لغيره أحلامه، لا يهم من هو صاحب الحلم. الحلم بلا هوية. من ينفذه يأخذ حقيقته ومن يتقاعس يموت كمداً في حسرة عجزه عن الإنجاز.
وعازار وايزمان لم يكن يحقق أحلام الملك حسين، أو أحلام جده عبد الله، وهو يتناول سماعة الهاتف ويتحدث مباشرة مع القصر الملكي في عمان.
إنه يحقق أحلامه هو وأحلام أبيه وجده،
أما الأحلام الملكية فمشاع لمخيلة الشعراء!
… وإن كان الملك يستطيع الادعاء الآن أنه قد أنجز وعده لفلسطين: فهو قد “حرر” أجواءها بدليل أنه عبرها بطائرته من البحر إلى النهر، وقد سخرت له الأقدار الطائرات الإسرائيلية الجبارة كموكب حماية، ثم أنه قد أفاض عليها من نعمة الماء والكهرباء والهاتف والطرق بحيث باتت “تعطي” جيرانها ولا تعتدي عليهم لتأخذ ما عندهم!
فأما القدس فها هو وايزمان شخصياً يدعوه لزيارتها وقراءة الفاتحة على روح جده في مسجدها الأقصى “الذي باركنا من حوله”.
والحمد الله على إنقاذ شرف الوعد بالإنجاز!
ملاحظة لبنانية
قبل أن يفرغ أهالي دير الزهراني من تشييع ضحاياهم، بالأطفال منهم والنساء والشيوخ، كان كبار المسؤولين اللبنانيين يتبارون في إثبات كفاءاتهم العسكرية من خلال مناقشة مسألة في غاية الخطورة هي: انحراف الصاروخ الإسرائيلي، وهل الخطأ مقصود أم لا!!
ولأن أولئك المسؤولين سياسيون بارعون وعسكريون قادرون فقد استطاعوا أن يدلوا بشهادة تاريخية ستعلي قدر لبنان في عيون العالم، مما يهون معه شأن الشهداء السبعة!
خلاصة ما قاله هؤلاء الساسة الكبار يفيد بأن الخطأ صادر عن الطيار الإسرائيلي وليس عن الطائرة الأميركية وعن التوجيه الأرضي الإسرائيلي وليس عن الصاروخ الأميركي!
ونتيجة لهذه الشهادة المنصفة لصناعة الموت الأميركية المشهورة بدقتها وتميزها على المستوى العالمي، فإن وزير الخارجية وارن كريستوفر سيلحظ لبنان في محادثاته مع الحكومة المركزية للشرق الأوسط في تل أبيب والقدس المحتلة.
كذلك فإن البنتاغون لن يقدم بعد الآن المزيد من الطائرات الحديثة والصواريخ الهائلة التدمير لإسرائيل إلا إذا أثبت طياروها أنهم يستطيعون التمييز بين الأب وابنه، فيقتلون اليوم الآباء وحدهم ويرجئون قتل الأطفال ريثما يكبرون… ألسنا جميعاً غلة الموت؟!
ومثل هذا التعديل في السياسة العسكرية الأميركية سيضمن للبنان السلام العادل والشامل والدائم… بعون الله، والله على كل شيء قدير!

Exit mobile version