الإرادات الملكية لا تخضع للاستفتاءات، كما أن التواقيع الملكية لا تحتاج إلى من يصادق عليها!
الملك شريك الله والوطن في الشعار الرسمي، فكيف يُخضع نفسه للمساءلة وربما المحاسبة والاعتراض والرفض؟!
إذا قيل “لا” مرة للملك زال “الملك”.
والملك قال ألف مرة “نعم” للعدو من أجل أن يبقى العرش، فلماذا المزاح أو المخاطرة بسؤال “الرعية” عن رأيها. إن مجرد استفتائها يعني الاعتراف بها، وبأن لها حق الرفض أو القبول. ولو أن لها مثل هذا الحق لكان من الواجب سؤالها قبل الذهاب والاحتفال والتوقيع والمصافحة الودية والابتسامة الحانية التي رفت بقرنيها على “الصديق القديم” إسحق رابين على امتداد فترة المهرجان الذي رافق “إعلان واشنطن”.
… ولقد طمأن رابين صديقه القديم بأن الكنيست الإسرائيلي قد أقرالإعلان بأكثرية ساحقة، فما أهمية رأي “الرعية” إذاً، التي تخضع لتدريب ملكي قاس على الانتقال من الحالة البدوية الصحراوية إلى الديموقراطية الغربية.
للملك أعذار كثيرة، من وضعه الخاص كما من أوضاع الآخرين وفي طليعتهم من نصبّه العرب “الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين”: هل استفتى عرفات ذلك الشعب، أو بعضه، أو بعض البعض منه على اتفاق أوسلو، ثم اتفاق القاهرة، ثم على “السلطة الوطنية” التي لا تعرف كيف وأين ومتى وبأية وسيلة تقيم كياناً على الزبد؟!
ثم، هل سبق لأي ملك أو رئيس عربي أن عرض شأناً مصيرياً بهذه الخطورة على الاستفتاء الشعبي: من اتفاقات كامب ديفيد، إلى الصلح الفلسطيني المنفرد، إلى الشراكة المغربية – الإسرائيلية، إلى الانفتاح الخليجي على إسرائيل ورفع المقاطعة واستقبال الوفود وإجراء اللقاءات الرسمية؟!
بل هل سبق لأي ملك أو رئيس أن قبل نتائج استفتاء حر، بل ما هو أقل منه: الانتخابات النيابية؟!
ألم يرفضوا في الجزائر نتائج انتخابات دعوا إليها فلما جاءت مغايرة لما يريدون أسالوا بحاراً من الدم لمحو آثارها وتحريم “السابقة” ذاتها!
ألا يستمر النظام المصري في رفضه “المهجي” فتح حوار، مجرد حوار، مع أصحاب الرأي الآخر في أرض الكنانة والذي يشهرون دمهم لرفض سياساته، ويفضل بدلاً من ركوب ذلك المركب الخشن تحويل الاختلال في الرأي إلى ما يشبه الحرب الأهلية المفتوحة يدفع ثمنها المواطن المصري المغلوب على أمره من حياته واستقراره وقوت عياله وحقه في التقدم؟!
ألم تلجأ الأطراف المتصارعة في اليمن إلى المدافع والدبابات وكل أنواع القتل والتهجير والتدمير والإذلال، لنقض ما قام بالاستفتاء الشعبي الحر، إما بذريعة تصحيحه وإما بحجة مقاومة الذين ارتدوا عن الوحدة إلى الانفصال بتحريض من السعودية و”ذخيرة حية” من خزينتها التي تشكو تناقص موجوداتها بعد رهن مدخول النفط لجيل أو جيلين سداداً لضريبة “التحرير” أو بوليصة التأمين على العرش، مع عمولاتها الملكية القانونية؟!
الشعب، الرأي العام، البرلمان، المنظمات والأحزاب والقوى والتيارات المعبّرة عن المصالح والاتجاهات المؤثرة في المجتمع… كل ذلك بدع، وكل بدعة ضلالة، وكل ظلالة في النار.
طويلة هي الرحلة من “شريف مكة” في الحجاز إلى “شريف المسجد الأقصى” في القدس،
لكن الدرس لا ينسى: فسدانة الكعبة لا تعطي آلياً الحق بالملك، فإذا وقع الإصرار طارت السدانة والعرش…
إذاً لا بأس من عرش في عمان وسدانة “هاشمية” بلا ملك ولا طموح إلى ملك في القدس،
بل لا بأس بأن تكون سدانة غيابية، أو تمارس بالإنابة والوكالة، بينما الأصيل لا يعرف كيف يملأ أوقات الفراغ من اللاشيء في غزة بني هاشم!
ثمن العرش فلسطين؟!
وما المانع… أليس ذلك هو الخيار الأفضل من فلسطين (لغيره) ولا عرش؟!
إن درس الجدين لا يحتاج إلى من يوضحه، وهو لا يرغب في أي من النهايتين: لا الموت منفياً في قبرص، ولا السقوط قتيلاً على عتبة المسجد الأقصى الذي يكتفي – حتى إشعار آخر – بأن يراه من نافذة الطائرة، بينما هو يتبادل العواطف الرقيقة مع صديقه القديم إسحق رابين.