أهم ما في هذا الاجتماع الجديد في المسلسل القديم لاجتماعات دول إعلان دمشق هو توقيته ومكان انعقاده. إنهما بالتأكيد أهم من نتائجه. وهذا أمر مؤسف… إذ لم توفر حد مقبول من الجدية والالتزام لتحول ذلك الإعلان، في الأصل، وهذا الاجتماع بالذات، إلى حدث محوري.
لكن النفط يأخذ الناس إلى حيث لا يقصدون، وربما إلى حيث لا يرغبون، وفي حالات كثيرة قد يذهب النفط بأهله إذا ظلوا أضعف منه واستخدمهم بدول أن يستخدموه.
المهم أن الاجتماع يجيء عشية القمة الأميركية – السورية، وإنه يعقد في دمشق بالذات، وبينما اتفاق غزة – أريحا يترنح مبدداً تلك الأوهام التي انعقدت عليه ومسقطاً تلك الرهانات البائسة بأن توقيعاً واحداً من أي كان، ومهما عظمت وتكاثرت ألقابه “الثورية” يمكن أن ينهي صراعاً تاريخياً دموي التعقيد كالصراع العربي – الإسرائيلي.
لكأنها شهادة جديدة لدمشق وقيادتها الصامدة والدقيقة في حساباتها، تضاف إلى رصيدها وتعزز مصداقيتها، عربياً ودولياً، وهي التي كانت موضع اختبار عسير عشية “عاصفة الصحراء”، ثم غداة “انفجار” الصلح المنفرد الثاني في أسلو والذي تم تطويبه في البيت الأبيض في واشنطن وكأنه النصر الغربي الأخير على العرب حاضراً ومستقبلاً.
وقد يكون صحيحاً القول أن “إعلان دمشق” لن يجد من يطفئ شمعته الثالثة، بعدما ترك لقدره “فلا هو حي فيرجى ولا ميت فيبكى”… لكن الشكل قد أنقذ تماماً فبدا كل شيء حسن الترتيب وكأنه حقيقي!
كان المنظر في دمشق مسلياً، أمس: ضجيج المواكب بالصافرات تتقدمه وتواكبه يملأ الفضاء، والألقاب المرقشة تملأ السيارات، والحاشية الفخمة الحقائب واللطيفة الهندام، تملأ ردهات الفنادق نهاراً وصالات الأنس ليلاً، واجتماعات مغلقة وأخرى مفتوحة، وتصريحات ومراسلون ومراسلات حسناوات ومواعيد ومآدب ومسجلات وعدسات وفلاشات تبرق ولا رعد، وبالتالي فلا مطر، والمسافة بين الستة (مجتمعين على تفرقهم) وبين الاثنين (المتلاقين على اختلافهما) تتسع ولا تضيق.. لكن لا بد من تأكيد التضامن، وتجديد الوعد والعهد، حرصاً على حسن الختام وحفظاً لما تبقى من سمعة العروبة وموجبات الأخوة وإغاثة الملهوف!!
مرة أخرى يتلاقى الأغنياء مع بعض أخوتهم الفقراء، لكن اللقاء الجديد غير مؤهل لأن يلغي الافتراق القديم، والسابق على حرب الخليج الثانية، بل وعلى حرب الخليج الأولى…
لكن المال ليس كل شيء، فها هي دمشق الفقيرة تحقق ما عجزت عنه المليارات التي ذهبت بها العاصفة الأميركية.
ولعل أقطار الخليج تستعيد من عروبتها بقدر ما تخسر من أموالها التي اصطنعت لها هوية مزيفة لم تصمد لأول هبة ريح.
فما تزال تل أبيب بعيدة، أبعد من مدى البصر والقدرة على نسيان التاريخ وطمس الوجدان وشطب الدين وإلغاء الجغرافيا وإسقاط المصالح ومعها شروط السلامة الذاتية.
وما تزال المقاطعة سلاحاً دفاعياً لحماية الجنس أو النوع.
بالمقابل ما زال رابين يتابع لعبته المفضلة: يلوح للأميركي، الشامت الآن “بتفرده” الخائب، وعبره للسوري، باستعداد للبحث في الانسحاب “الكامل” من الجولان بشرط كذا وكذا، ثم يتشدد مع صاحب التوقيع الفلسطيني لينتزع منه الرمق الأخير: “تعطيني أكثر أو أتفاهم مع السوري، كبديل منك، وأنت المحاصر الآن بتوقيعك ولا خيار أمامك غير التنازل…”.
وبرغم أن اللعبة باتت مفضوحة فرابين يتابعها بدأب شديد.
هذا مع وعيه بأن أهم أهداف كلينتون من قمته مع الأسد في جنيف محاولة إنقاذ اتفاق غزة – أريحا… فرابين يحاول فرض الشروط على من يحاول إنقاذه أيضاً وعلى طريقة “حسنة وأنا سيدك”!!
إنها أيام لها تاريخ هذه التي تسبق قمة كلينتون – الأسد.
فالمسرح يعد لما بعد تلك القمة – المفصل.
وما زال بوسع العرب أن ينقذوا الكثير إذا ما هم جهدوا لاستعادة الحد الأدنى من التضامن، مستفيدين من هذه الفرصة لتعويض بعض الضرر الهائل الذي لحق بهم في الفترة بين اندلاع “عاصفة الصحراء” وبين انفجار عاصفة غزة – أريحا.
وبقدر ما يكون حافظ الأسد قوياً في قمة جنيف يمكن استخلاص بعض الحقوق العربية، فهو هناك – وأكثر من أية مرة سابقة – سيعامل وسيتصرف قطعاً وكأنه يمثل العرب جميعاً وليس سوريا وحدها.
وخير للعرب أن يفوضوا هم الأسد بدل أن يأتيه “الاعتراف” الواقعي من الرئيس الأميركي الذي يدرك جيداً أنه – ومهما بلغت قوته – لن يستطيع الادعاء بأنه “العرب” خصوصاً وإن اسحق رابين يلح على إظهاره في كل لحظة وكأنه “إسرائيل”، وهو لا يملك أن ينفي تلك الصورة.
محمود برجاوي : حرف “السفير”
وحدهم الذواقة وعشاق الخط العربي والمهتمون لاحظوا اختلاف حرف النص في “السفير” يوم السبت عنه يوم الجمعة الماضيين.
إنه الحرب الجديد، حرف “السفير” الذي أبدعته ريشة محمود برجاوي تكملة لما كان بدأه في حرف العنوان.
فبعد سلسلة من التجارب، وبعد استعانة بخبرات بعض المختصين في الكومبيوتر واستخداماته طباعياً، وبالتخصيص منهم زياد صيداوي، أمكن المباشرة باستخدام حرف النص الجديد الذي فيه من روح الخطاط وجمالية الأصل مثل ما فيه من التقدم التقني.
إنها خطوة أخرى على الطريق… ودائماً بأمل تحقيق الأفضل والأكثر تقدماً دون افتراق عن الأصالة.