تلقيت ليل الأمس، وبينما نحن نحاول تقدير النتائج السياسية للمؤتمر الوطني، برقية من العميد ريمون اده يرد فيها على بعض ما كتبته عن بعض مواقفه السياسية.
ولما كان المؤتمر الوطني قد أكد على الديموقراطية وحرية الرأي، وحاول أن يستحضر جميع الغائبين أو المغيبين المؤمنين بوحدة لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات، ليقفوا صفاً واحداً في وجه مخاطر المشروع التقسيمي، الإسرائيلي بالضرورة،
ولما كان ريمون اده أحد “الغائبين الكبار” عن المؤتمر الوطني وعن الساحة الأصلية للعمل الوطني في لبنان، وليس إلا فيه،
لهذا كله ننشر في ما يأتي النص الحرفي لرد العميد اده، مستخلصين منه وعبره موقفه من المستجدات التي ما انعقد المؤتمر الوطني إلا للتصدي لها، وأبرزها قيام حكومة الضباط الثلاثة بالاستيلاء على “السلطة” في “الشرقية”، بكل ما تتضمنه خطوة الجنرال هذه من مخاطر تقسيمية.
نص البرقية:
“عزيزي طلال،
“ابتسمت وأنا أقرأ المقطع الذي يخصني في مقالكم الصادر بتاريخ 27 أيلول.
“اطمئنوا فأنا ما زلت ضد تعيين أو انتخاب أحد العسكريين لرئاسة الجمهورية.
“لست أنا من وقع مرسوم تعيين العماد ميشال عون ووزرائه العسكريين في الحكومة الجديدة.
“لقد تباحث أمين الجميل، في بداية، مع الرئيس الحص، ومن ثم كلف بيار حلو تشكيل حكومة من السياسيين، ولكن من دون جدوى.
“وفي ما يخص “الحلف الثلاثي” فقد اشتركت فيه لأبطال تدخل ضباط المكتب الثاني في انتخابات العام 1968.
“لكنكم نسيتم أن تقولوا إن “الحلف الثلاثي” ضم أيضاً النائبين الشيعيين محمود عمار وأحمد اسبر، ونائباً درزياً هو بشير الأعور.
“من جهة أخرى، ما زلت اعتبر إن حكومة الجنرال عون هي، بموجب القانون، دستورية، وبالتالي “قانونية” وإنما نصف شرعية.
“وعلى النقيض من ذلك فإن حكومة الرئيس الحص، المستقيلة أصلاً، والتي تقوم بتصريف الأعمال بالوكالة (بموجب المرسوم الرقم 3936 الصادر في 1/6/1987)، ليست دستورية وليست قانونية، بل هي نصف شرعية فحسب.
“ولسوف استغرب إذا ما نقاضني في الرأي أحد الإخصائيين في القانون الدستوري.
“كونوا على ثقة إنني ما زلت على إيماني بالديموقراطية.
“واعطيكم البرهان على ذلك فوراً: إذا ما اتفقت واشنطن ودمشق، غداً، على تعيين أو دعم ترشيح الجنرال عون لرئاسة الجمهورية، فأنا متأكد من أنكم ستوافقون على ذلك،
“أما أنا، وعلى الرغم من التقدير الذي أكنه للجنرال عون، وهو ضابط ممتاز ورجل نزيه وكامل، فلسوف اعترض على ترشيحه لأنه عسكري، تماماً مثلما فعلت عندما عينت ودعمت واشنطن وعبد الناصر الجنرال شهاب لرئاسة الجمهورية في العام 1958.
أتمنى أن تترجموا تصريحي هذا وتنشروه
من دون ضغينة
ريموه اده
… ولأن العميد اده ديموقراطي فهو يتقبل منا، إلى جانب رأيه، بعض الملاحظات السريعة:
*أولاً: يسعدنا أن تكون كلماتنا قد منحت العميد ابتسامة في هذا الزمن الكئيب.
*ثانياً – يسعدنا، أيضاً، أن نسمع من العميد اده، مجدداً، إنه ضد العسكر في رئاسة الجمهورية، لاسيما حين يصلونها خلسة أو يغتصبونها بإشغال الفراغ في القصر الجمهوري، كما فعل العماد عون.
*ثالثاً – يهمنا أن نصحح بعض الوقائع التي وصلت إلى العميد بالتواتر وبالسماع، والمتصلة بأمر تشكيل الحكومة العسكرية.
أبرز الوقائع إن الرئيس أمين الجميل لم يتصل، ولم يحاول أن يتصل بالرئيس سليم الحص، لا قبل تكليفه النائب بيار حلو بتشكيل حكومة سياسية، ولا قبل إقدامه على إصدار مراسيم التشكيلة العسكرية عبر العملية القيصرية الجعجعية المعروفة.
سليم الحص هو الذي بادر، وفي ذلك الليل الطويل، وقبل ثلاث ساعات فقط من انتهاء ولاية أمين الجميل، بالاتصال، وهو الذي حاول جاهداً أن يصل إلى توافق، وأن ينقذ البلاد من خطر أية خطوة تقسيمية، عبر عروض متعددة كان يعدل فيها فلا يلقى إلا الرفض، حتى انتهى الأمر بحكومة نصف الليل العونية.
*رابعاً – لم يكن الثلاثي اده – شمعون – الجميل المتضررين الوحيدين من تدخل ضباط المكتب الثاني في انتخابات 1968، ولم يكونوا ضحايا هذا التدخل بل صاروا أبطالاً بفضله… ولم تكن مقاومة تدخل العسكر في السياسة، يومها، ولا هي اليوم مهمة طائفة بالذات، بل هي مهمة سياسية خطيرة تستوجب قيام جبهة وطنية تضم كل الديموقراطيين، أحزاباً ومنظمات وهيئات وشخصيات، المهتمين بمصير بلادهم وسلامة نظامها.
ثم إن “الحلف الثلاثي” لا يمكن أن يفصل بين مهمته وبين تاريخ ميلاده،
لقد ولد هذا الحلف، الطائفي في مضمونه، والمعادي للعرب والعروبة وانتماء لبنان القومي، بعد سنة واحدة على العدوان الإسرائيلي على الأمة العربية في 5 حزيران 1967.
وكان أجدى بالعميد وسائر المهتمين بمصير لبنان أن يصرفوا جهدهم في كيفية حماية لبنان من الخطر الإسرائيلي الداهم، فهو موضوع أخطر وأبقى أثراً من نتائج انتخابات نيابية نعرف كلنا كيف تجري ومن يتحكم بمرشحيها والنتائج!
وصحيح إن بعض السياسيين الشيعة (ثلاثة لا أكثر حتى لا ننسى عراب الحلف كاظم الخليل) ودرزياً واحداً كانوا في عداد طوابير الحلفن لكن هذا يتصل بالشكل وتفرضه ضرورات التمويه، وإلا فلماذا كان اسمه “الحلف الثلاثي”؟
إنه حلف، كما تسميه حتى الآن، يا عميد، بين ثلاثة من دهاقنة الموارنة، وليس ذنبنا إنكم أغفلتم الرابع، أو الخامس، إن كان ثمة رابع أصلاً، أو خامس!
*خامساً – ليس موقفاً يليق بسياسي محترم وذي تاريخ برلماني طويل، أن يوزع الشرعية نصفين بين حكومتين، يعرف العميد إن أحداهما “وحدوية” بالضرورة، وإن الثانية “تقسيمية” الدور والممارسة، مهما حسنت النوايا.
وفي أي حال فإن المناقشة الفقهية لا تفيد إلا في إضاعة الموضوع الأصلي وهو ضرورة إجراء انتخابات تنهي عهد الانقلاب الكتائبي، الذي يجد امتداده في حكومة الجنرال الذي يقدر فيه العميد مزاياه المكتملة بعكس حكومته الناقصة!
*سادساً – لقد ارتاح الناس، ونحن منهم، للاتفاق الأميركي – السوري، بوصفه مدخلاً إلى “حل سلمي” لأزمة رئاسة الجمهورية في لبنان التي عجز اللبنانيون، والموارنة في طليعتهم، عن التفاهم حول مرشحيها وطبيعة المهام الإنقاذية التي تنتظرهم.
وما يهمنا، يا عميد، هو إنهاء العصر الإسرائيلي في لبنان، وزوال حكم الانقلاب الكتائبي، بامتداده الراهن عبر الحكومة العسكرية،
أما اسم الرئيس المقبل وكائناً من كان فلا يعنينا إلا بقدر ما تسمح لنا ديموقراطيته بأن نكون بين صفوف معارضيه.
ما يهمنا هو لبنان، الوطن العربي الديموقراطي السيد الحر، الواحد الموحد، الذي يتسع لأبنائه، جميعاً، بوصفهم مواطنين متساوين فيه لا يفرق بينهم امتياز طائفي أو عائلي.
فالامتياز، يا عميد، جاء به الأجنبي، وما زال يحميه الأجنبي حتى هذه الساعة،
وهنا تكمن بذرة الانقسام التي تلغي الوطن، وتلغي بالضرورة الديموقراطية،
وبعض المشكلة معك إنك ترفض أن ترى هذه الحقيقة التي تؤكد الديموقراطية فينا وتنفيها عندك،
فنحن نريد الديموقراطية لأننا نريد أن نتساوى بك،
وأنت ترفضها حين ترفض التساوي بنا.
والمواطن هو الأصل، يا عميد، فمن دونه لا تكون أوطان،
وليس بالدستور المترجم وحده تبنى الأوطان ويحيا الإنسان.