الحكم باسم الإسلام شرعي مائة في المائة، بل إنه مصدر الشرعية ومرجعها،
أما المعارضة باسم الإسلام فممنوعة ومقموعة ومحظورة، وهي – في حال التساهل – بدعة أو ضلالة، وفي حال التشدد زندقة وتجديف وكفر وارتداد أوله الاعتراض على الحق الإلهي وآخره الخروج على طاعة الله!
القتل من موقع الحكم باسم الإسلام جائز ومبرر، لا يحاسب عليه “ولي الأمر” ولا يؤخذ به، بل يضاف إلى مزاياه، فإذا هو “جبار عنيد”، وإذا هو “يقظ، متنبه، لا يغفل عن أمر، يحسب على الناس كلامهم وتصرفاتهم وأحلامهم” ويحاسبهم عليها!َ
أما الدفاع عن الإسلام والاجتهاد في صيانته وحفظ كرامة الرسالة فيه ولو بالتضحية بالنفس من أجل رد تهمة الظلم عنه، أو حمايته من الهجانة والتشوه، فذلك كله “رجس من عمل الشيطان” و”شرك” وانسياق في الغواية إلى حد التفكير بالفصل بين الدين وبين القيمين عليه المكلفين برعايته ونشر رسالته والمستخلفين على عباده الصالحين.
ولأن الحكم باسم الإسلام هو مصدر الشرعية فهو، في الغالب الأعم، مطلق، لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من قدامه، ولا تجوز مناقشته لأن من يتولاه يضفي على نفسه صفات “المعصوم”، ولأنه متحصن في لقبه “الشريف” فهو لا يقبل شراكة أو مشاركة أو حتى مشاورة من طرف “العامة” و”الدهماء” و”سواد الناس”!
على هذا يستطيع ملك الأردن أن يذهب إلى الصلح مع إسرائيل متدرعاً بنسبه “الهاشمي”، وكأن للنسب قداسة ليست للأرض، وللمنتسب قيمة لا يمكن أن يبلغها الشعب، فإذا ما ارتفع صوت بالاعتراض ذكرهم بأيلول الأسود (1970) وخاطبهم بلغة الحجاج بن يوسف مهدداً: “متى أضع العمامة تعرفوني”!!
من قبله كان ياسر عرفات قد ذهب أيضاً إلى الصلح بعدما “هاجر” من الثورة ملتحقاً بالعدو، ومستعيداً نسبه “الشريف” هو الآخر، مستذكراً أنه “حسيني”، وأن نسبه يخوّله دخول “غزة بني هاشم” ليخرجها من فلسطين، وليخرج إسرائيل من بعض مأزقها الخطير فيها.
وها الحسن الثاني المتحصن وراء نسبه “الشريف” كما وراء لقبه “الاستثنائي” أمير المؤمنين، يكسر الحواجز جميعاً، النفسية والسياسية والاقتصادية، الدينية والزمنية، فيحل الحرام ويحرم الحلال، ويفتح البلاد (ومساجدها) للإسرائيليين، ويرعى مؤتمراتهم، ويروج لعبقريتهم، ويسوق مشروعاتهم الهادفة إلى تحويل سيطرتهم العسكرية (المؤقتة؟) إلى هيمنة استراتيجية شاملة ومفتوحة على ما شاء الله وبقدر ما تتسع لها المظلة الأميركية.
بتوقيت مدروس، وكأنما وفق خطة محددة، هجم أصحاب الألقاب “الشريفة” لاستعادة الدور وزمام المبادرة، حافظين لإسرائيل الفضل في تحريرهم من مخاوفهم (ومن شعوبهم)، ومن احتمالات التغيير (الثوري) التي كانت ذات يوم أقرب إليهم من أنفاسهم.
لقد حلصوا بالجيش من شعوبهم، ثم خلصوا بإسرائيل من جيوشهم فإذا هم “الطلقاء”، وإذا أيديهم “حرة” يمدونها إلى من شاءوا متى شاءوا وحيث شاءوا.
لا قيد على الحركة ولا من يحاسب: فأدوات القمع قد تكفلت بالقضاء على الأحزاب والتنظيمات الشعبية والنقابات والاتحادات المهنية، والهزيمة قد التهمت العقائد والأيديولوجيات، فلا قومية ولا اشتراكية ولا وطنية، والفراغ مطلق بحيث يستطيع النظام العالمي الجديد أن يفرد جناحيه بغير قلق، ويمكن لإسرائيل أن تباشر بناء “العهد الجديد”، تحت الرعاية الملكية، وفي فيء النسب الشريف.
هوذا الغسلام القابل للحياة، المنسجم مع روح العصر، وهؤلاء هم المسلمون المباركون، الذين جمعوا إلى الدين العقل والعلم والكفاءة السياسية.
ولعل شيمون بيريز قد هم بأن يزغرد فرحاً في الدار البيضاء، ولعله لولا “قمع” إسحق رابين قد هتف: “هؤلاء أبنائي، فجئني بمثلهم!!
أما المسلمون الآخرون، داخل فلسطين، في مصر أو في السودان، في الجزائر أو في مملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض، أو في تونس، أو حتى في لبنان، فأولئك مجاميع من “الضالين”، يتسترون بالشعارات الدينية والدين منهم براء، يستحقون القتل لردتهم ولخروجهم على أولي الأمر منهم وعصيانهم الله عز وجل في من استخلفهم في الأرض على عباده الصالحين.
وها هم الحكام المسلمون، سواء من تحصنوا خلف النسب الشريف، أو من تمسحوا بالعتبات المقدسة أو استعاروا أسماء الأنبياء فتلطوا وراءها، يتولون نيابة عن إسرائيل والغرب كله، مهمة استئصال أولئك العصاة والمتمردين من الحكومين المسلمين،
لقد حوّل هؤلاء الحكام “الجهاد” إلى “فتنة” وأصابتهم لوثة الدم بالعمى فتوغلوا في الظلم حتى استحال النقاش أو الحوار وتاهت الأصوات الناصحة أو المحذرة أو المذكرة بالإسلام في جحيم الإبادة والتدمير الشامل.
بين العرب والعرب قطيعة مغشاة بالدم،
بين المسلمين والمسلمين حرب مفتوحة داخل البلد الواحد، كما على امتداد ديار الإسلام،
فكيف لا تتقدم إسرائيل فتكتسح الأرض من خليج عمان على المحيط الهندي إلى “رباط الخيل” في المغرب الأقصى على المحيط الأطلسي؟!
لكن السؤال هو: ماذا يتبقى من أولئك الملوك وأشباه الملوك ورؤساء المصادفات والأخطاء التاريخية في ظل الهيمنة الإسرائيلية المطلقة؟!
العرش أهم من الشعب. العرش أهم من الأرض.
ولكن… من يجلس على العرش؟!
هامش أخير:
“مماليك النفط” و”رجال الأعمال”
لا يمثل “رجال الأعمال” العرب الذين شاركوا في مؤتمر الدار البيضاء إلا شريحة محدودة عدداً ونفوذاً وتأثيراً وثروات.
وهم “مماليك نفط” أكثر منهم رجال أعمال بالمعنى الشائع والمعروف في الغرب..
فليس بينهم، على سبيل المثال، صناعي أو مصرفي محترم أو ممثلون للمنتجين الزراعيين أو للتصنيع الزراعي.
وبالتأكيد ، فثمة دور طبيعي وأصيل لرجال الأعمال العرب، الذين جنوا ثرواتهم بالتعب والسهر والعمل المضني، لاسيما داخل أوطانهم، أو جمعوا ثرواتهم في المغتربات ثم عادوا بها إلى أوطانهم لكي يسهموا في بنائها وتجديد بناها وتمكينها من اختصار الزمن وزيادة وتيرة التقدم لكي تنتسب إلى العصر.
لكن من يحمل هم الوطن في قلبه من رجال المال والأعمال والصناعة والزراعة والمصارف والتجارة، لم يذهب إلى الدار البيضاء لكي ينضم إلى الإسرائيليين القادمين لاجتياح هذه الأرض بمن وما عليها.
إن أمثال هؤلاء يعدون أنفسهم ويستعدون لمواجهة المشروع الإسرائيلي، إلى جانب الحكومات أو حيث تقصر الحكومات،
أو هذا ما يجب أن يكون.
أما “مماليك النفط” فلم يكونوا دوماً في أوطانهم ومعها ومنها حتى يفتقد غيابهم اليوم، وهم لم “يزوروا” بلادهم إلا لاقتناص صفقة وتزوير خطة وتمرير مشاريع وهمية بأرباح حقيقية وإن بمعدلات خيالية.
و”مماليك النفك” هؤلاء هم الذين تقدموا إلى الإسرائيليين متبرعين بدور حصان طروادة…
فاحذروا الخيول المزورة: احذروا مماليك النفط الذين بدلوا لباسهم وغيروا لغتهم ليصبحوا “ادلاء” الاجتياح الإسرائيلي الجديد!