طلال سلمان

على الطريق هوامش على مآسٍ عربية..

كأنما يتعذر على العرب التضامن إلا تحت الضغط.
وبرغم أنهم يعانون من الضغط (الخارجي) باستمرار، فقلما قرروا مواجهته متضامنين.
وفي العادة فإن صاحب القضية من بينهم يعاني أكثر ما يعاني من ضغط “أخوانه” و”رفاق سلاحه” و”شركاء المصير” الذي يبيعونه لحساب مركز الضغط ذي القدرات غير المحدودة، ثم يساومون عليه لتعزيز موقعهم في عين “السيد” الأميركي.
ها هم، أخيراً، يتضامنون في التلكؤ عن تلبية الدعوة المغفلة للمشاركة في الجولة الثالثة من مفاوضات التسوية مع العدو الإسرائيلي في واشنطن.
وحمداً لله على نعمة الكثيرة، ومن بينها أن لعبة المفاوضات لم تجتث روح المقاومة كلية، وإن العدو ما زال يطارد مجاهدين ومناضلين يواصلون كفاحهم لتحرير أرضهم المحتلة ثم يتخذ قرارات طرد وإبعاد بحقهم ولا يكتفي باعتقالهم أو بسجنهم لخطورة جرائمهم.
إن إسرائيل، تتولى تذير العديد من العرب ضعاف الذاكرة أو الواهمين بأنها كانت العدو وهي الآن العدو وستبقى كذلك حتى يشيب الغراب، وغن الخلافات “الديمقوراطية” بين القوى المتعددة فيها لا تتصل بالعرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، فالقرار في شأن هؤلاء يصدر دائماً بالإجماع، وآخر الأدلة الساطعة توكيل مجلس الوزراء الإسرائيلي على قرار إبعاد الاثني عشر مجاهداً فلسطينياً برغم الاحتجاجات والاعتراضات ونداءات الاسترحام وطلبات إعادة النظر.
“أمن إسرائيل” أهم من “السلام”، وأهم من معاهدات الصلح، بل إن هذه المعاهدات مطلوبة فقط باسم “الأمن المقدس” الذي يمكن مطه ليشمل الأرض والمياه والبيئة والاقتصاد والثقافة، كما تدل معاهدات كامب ديفيد.
وفي غد. وبعد الصلح، قد تطالب إسرائيل لبنان – مثلاً – أو الأردن أو حتى اليمن بإبعاد هذا المواطن أو ذاك لأنه يشكل خطراً على “الأمن الإسرائيلي” بنشره قصة أو رواية أو بنظمه قصيدة في حب الوطن وتماهي الحدود بين الأرض والأم والحبيبة ذات الشامة!
ولقد حاولت إسرائيل مثل هذا الأمر فعلاً مع المصريين، فكادت تنسف معرضاً للكتاب لم تدع إليه، وطلبت تأديب بعض المتمردين من الكتاب والصحافيين والأدباء لأنهم لم يلتزموا بموجبات أمنها المقدس!
ومع الترحيب بخطوة التضامن بين الوفود العربية الأربعة، على محدوديتها، فالتمني أن تدعم وتعزز وتكسى باللحم والعظم بحيث تتحول – عملياً – إلى وفد مفاوض واحد، وهذا أضعف الإيمان!
مرة أخرى تثبت فلسطين إنها القضية والرباط المقدس وإنها العمود الفقري للتضامن العربي، ومن الصفر على المائة.
بفلسطين يسترد العرب عروبتهم، ومن دونها، لا تغنيهم قطرياتهم ولا تعوضهم عن انتمائهم القومي، خصوصاً وإن إسرائيل (وكذلك الولايات المتحدة الأميركية) تحاسبهم كعرب، حتى وهي تغري كلا منهم بأن يمترس خلف قطريته ليحارب قطرية أخيه وشريك مصيره.
المهم أن يعي الفلسطينيون قوة هذه الحقيقة، بل هذه البديهية، فلا تأخذهم غلواء الشوفينية الكيانية بعيداً عن قضيتهم وعن أهلهم، سيما وإنها تفقدهم النصير والمعين بغير أن تبدل صورتهم في عين العدو، وبغير أن تحببهم على “الحكم الأميركي النزيه”!!
و”الأمن الإسرائيلي” أضعف ما يكون في وجه فلسطين، ولو كانت عزلاء، فاستمرارها على قيد الحياة يلغيه حتى لو زرع كل شبر في الأرض المحتلة مفاعلاً نووياً.
ومصدر الخطر في المفاوضات أن الفلسطيني بدا متنازلاً أكثر مما يجب عن سلاحه الأقوى والأمضى (وهو هو السلاح العربي) أي هويته القومية.
وهذا السلاح فعال في وجه العدو كما في وجه الشقيق الهارب من عروبته وأساساً من فلسطينز
أسرى الأسرى
وأسرى الحكم…
*لا بد أن العديد من اللبنانيين يتذكرون أحمد الربعين الذي جاء بيروت في زمن الاحتلال العراقي للكويت، ضمن الوفد الشعبي الذي جال في البلاد العربية داعية لتحرير بلاده مؤكداً على عروبة شعبها والتزامه بموجبات النضال القومي وفي الطليعة منها تحرير فلسطين.
أحمد الربعي، وهو أستاذ جامعي يمثل النخبة الممتازة من الشباب القومي في الكويت، تناسى أن الحكم في بلاده كان وجه ضربة إلى التوجهات الديمقراطية لدى الكويتيين، فحل مجلس الأمة المنتخب، (وهو عضو فيه) وفرض رقابة صارمة على الرأي والحريات العامة وبينها حرية الصحافة (وهو كاتب محترم)، فقدم القضية الوطنية على ما عداها، وطاف مع رفاقه الذين شاركوا في المؤتمر الشعبي بجدة، ينادون بتحرير الكويت وعودة الشرعية إليها… أي الحكم السابق.
مؤكد أن الربعي ورفاقه كانوا يفترضون أن الحكم لا بد سيتعظ من درس الغزو العراقي، وإنه سيقدر للمعارضة موقفغها الوطني الملتزم، فيرد لها وللشعب – التحية، فيجتهد بعد التحرير في إقامة نظامه على أسس من الديمقراطية تعطي لأهل البلاد بعض حقوقهم فيها، وبالتحديد على مستوى الحريات وممارسة الديمقراطية.
لكن “الشرعية” عادت سيرها الأولى فأحيت عظام ما يسمى “المجلس الوطني” وهي رميم، متملصة من تعهدها بالتزام دستور 1962، مرجئة الانتخابات إلى خريف 1992.
وأمس حين أرادت صحافة العالم أن تقدم صورة لواقع الكويت اليوم، وهي تعيش في ظل غمامة من الكآبة والحزن، لم تجد أفضل من كتابات أحمد الربعي فاقتبست من مقال له في الزميلة “القبس” فقرات جاء فيها “كيف نفرح والناس يرفعون شعار لا تنسوا أسرانا وإنصاف القتلى يتذكرون قتلاهم بحزن لا حد له”.
أليس حراماً أن تعاقب الكويت خيرة أبنائها بمنعهم من التعبير عن حبهم لوطنهم وإيمانهم بأمتهم المقهورة بسلسلة من الهزائم آخرها التي تسبب فيها حاكم أحمق؟!
أما أن المضطهد يقلد، دائماً، مضطهدة؟!
الحرب بين “الإسلاميين”
وبين حكام المسلمين!
“أعرق” مؤسسة للتضامن بين الأنظمة العربية هي “مجلس وزراء الداخلية العرب”.
تنشب حروب عربية – عربية فلا تتعطل اللقاءات الدورية لهذه المؤسسة الراسخة كعلامة “وحدوية” في عصر القطيعة والانفصال والاقتتال الأخوي.
تسقط عروش وتقوم على أنقاضها “جمهوريات”، ثم تذهب الانقلابات بالرؤساء وتأتي بصغار الضباط إلى سدة السلطة، فلا يختل النظام في هذه المؤسسة التي تضم “حراس” النظام العربي الواحد.
تتبدل العقائد والأيديولوجيات فلا ترتعش العلاقات الرسمية أو الشخصية بين أعضاء هذه المؤسسة التي اتسعت وتتسع لأصحاب السمو الملكي والرفاق الحزبيين الانقلابيين وللثوار الآتين إلى السلطة باسم الكفاح المسلح وللضباط المنتفضين على أنظمتهم (الملكية أو الجمهورية) وصولاً إلى الشيوخ ممثلي إمارات الخليجز
ما السر في هذا الانضباط الأليف أو الألفة المنضبطة بين حرس حدود العروش والأنظمة القائمة؟!
… ولماذا يفتقد مثل هذا الانضباط أو الالتزام أو الإخلاص للواجب بين وزراء الخارجية العرب، مثلاً، أو وزراء التربية، أو وزراء الثقافة وصولاً إلى مجلس المندوبين في جامعة الدول العربية التي لم يتبق منها غير المبنى التاريخي والأمين العام المنهك بأعباء الإنجازات التاريخية؟!
ما علينا، لننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، جعله الله خيراً!
المهم أن الاجتماع الأيخر لوزراء الداخلية العرب الذي انفض عقده أمس، الأحد، قد تميز بحضور سعودي ملعلع سرعان ما شد إليه الذعر التونسي المعلن والمصت المبهم عند العديد من ممثلي الدول الأخرى الخائفة من تصاعد موجة “الإسلاميين” خصوصاً وقد اجتاحت – بالديمقراطية – الانتخابات النيابية في الجزائر.
ها قد وجدت القضية للمؤسسة المعنية “مبراقبة” الديمقراطية و”الإشراف” على الانتخابات (والعياد بالله) و”الساهرة” على الحريات العامة لتطمئن إلى تمتع المواطنين العرب بها،
وإذا كانت السعودية هي التي دبت الصوت فإن الآخرين تناسوا خلافاتهم معها وساندوها إلى حد تجاوز الإشكالات والمشكلات والمخاصمات والمناكفات الناجمة عن موقع كل طرف في حرب “عاصفة الصحراء” على العرب.
ولقد تجاوبت المملكة التي تضج أرجاؤها الفسيحة بخطب المشايخ ومناشير الأصوليين الجدد وتظاهراتهم المعترضة على حكم “الأصوليين القدامى”، أي الوهابيين، فغفرت للخطاة التوانسة والأردنيين واليمنيين وتغاضت حتى عن العراقيين، طلباً للتضامن والتساند والتكاتف لمواجهة “الإسلاميين” المتقدمين نحو السطلة بأقدام ثابتة في أكثر من قطر عربي،
ربما يقول قائل: وكيف يخاف حامي الحرمين الشريفين من الإسلام والمسلمين؟!
أو لعل جاهلاً أو متجاهلاً يبدي استغرابه لأن يتنادى وزراء الداخلية العرب وكلهم (ولله الحمد) مسلمون ويعلنون “الجهاد” ضد من صاروا نواباً وممثلين للشعب بقوة القرآن الكريم الذي رفعوه راية لهم، وبوهج المناداة بدولة تلتزم الشريعة الإسلامية؟!
على أن هذا ما حصل فعلاً، وعلى كل “عاقل” أن يستنتج ما يحلو له الاستنتاج وأن يفسر صيحات الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وكأنها اعتراض على الإرادة الشعبية (في بلاد غير بلاده)، أو كأنها اعتراض على قيام جمهوريات إسلامية، بينما لا بأس من “ممالك إسلامية” كالتي يشغل هو شخصياً موقع وزير الداخلية فيها.
“الإسلاميون قادمون”،
تلك هي الصرخة المنكرة التي استنفرت المؤسسة “الوحدوية” اليتيمة، فطردت أمينها العام الدائم (وهو، للمناسبة، العراقي أكرم نشأت) وأحلت محله خبيراً بمكافحة الإسلاميين ودعاويهم المهيجة وهو سعودي ملتزم بتعاليم خادم الحرمين.
والحمد لله من قبل ومن بعد ، وحيا الله هؤلاء “المجاهدين” لكي ينصروا أولياء الأمور على من أخذتهم الضلالة فأنكروا على حكام المسلمين إيمانهم وحصروا الإسلام في أشخاصهم وأعطوا أنفسهم حق محاسبة الآخرين في الدنيا بينما “العقد” ينص على إرجاء الحساب إلى الآخرة.
أتراك بلغت يا أبا بديع؟!
من يتذكر الصومال؟!
أخيراً التأم مجلس جامعة الدول العربية، وعلى مستوى المندوبين وليس الوزراء، مثلا ً، أو الملوك والرؤساء، لأخذ العلم بما يجري من كوارث تفوق الوصف في الصومال الذي مزقت أوصاله وبادت دولته وتحول شعبه إلى ملايين من الضحايا بعضهم من قضى نحبه قتلاً وبعضهم من مات جوعاً وبعضهم الأخير في عداد “من ينتظر”!
طبعاً لا يمكن العتب على منظمة إقليمية غنية بتاريخها فقيرة حتى الأملاق في إمكاناتها السياسية والمادية، فهذه الجامعة البائسة بين ضحايا النفط العربي، بل لعلها الضحية الأولى لاختلال ميزان القيم، إن على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، قبل أن تكون ضحية سياسة السادات ومعاهدة كامب ديفيد.
لقد حولها تحكم أهل النفط من مؤسسة للتضامن العربي إلى مجرد شاهد عاجز على العصر الانفصالي ثم إلى شهيد للكيانية التي أودت إلى الصلح مع العدو.
في أي حال، فإن “تهتم” الجامعة بمأساة الصومال، وهي دولة عضو فيها، أفضل من استمرار التطنيش والتجاهل والاشاحة حتى “لا عين ترى ولا قلب يوجع”.
لقد التهمت الحرب الأهلية في الصومال وحدة هذه الدولة فمزقتها إرباً، ثم امتدت نيرانها فحصدت عشرات الألوف من أبنائها (وفي تقدير غير رسمي حوالى المائتي ألف)، وهي في الشهرين الأخيرين فقيط أسقطت أكثر من أربعة آلاف قتيل وعشرة آلاف جريح، إضافة إلى أنها دمرت العاصمة ومعظم المدن والقرى وضربت ما كان موجوداً من بنية تحتية في هذه البلاد التي تعاونت عليها التركة الاستعمارية مع الدكتاتورية المحلية مع أمراض التخلف وفي طليعتها القبلية فجعلتها أثراً بعد عين.
وكان منطقياً أن تمتد الفتنة إلى الصومال الصغرى ، أي جيبوتي، على شكل تجديد للحرب الخامدة بين قبيلتي عفار وعيسى،
ولكم كان مخجلاً، بل ومهيناً، أن تتحرك فرنسا، الدولة المستعمرة السابقة لجيبوتي، من أجل إنهاء الحرب الأهلية أو تجميدها، بينما العرب لاهون بهمومهم عنها، هذا إن لم يكن بعض أنظمتهم قد أسهم في إشعالها أو في تسعير نيرانها.
واليوم، وبينما مبعوث الأمم المتحدة، يحاول معالجة الوضع في الصومال من قلب مقديشو، يقتصر الاهتمام العربي على هذا الاجتماع الهزيل على مستوى مجلس المندوبين في الجامعة العربية.
مع ذلك، فهذا أفضل من لا شيء، بشرط أن يتابع،
وعسى يكون هذا التوجه مطلباً أميركياً فلا يتخلف عنه أحد من أولئك الهاربين من عروبتهم، والذين عرفهم لبنان جيداً عبر مأساته التي امتدت دهراً والتي سيعاني من آثارها المدمرة طوال أجيال.

Exit mobile version