تشاءموا يا بسطاء الناس فكبراؤكم متفائلون بحل قريب للأزمة المستعصية، واستعدوا لملاقاة الخديعة الجديدة بما يكفل إسقاطها قبل أن تسقط آلافاً أخرى منكم شهداء وضحايا.
تشاءموا، ولكن لا تضعوا أيديكم على قلوبكم تخوفاً، ضعوها على زناد بنادقكم لكي يخافوا هم فيتراجعوا وتستعيدوا بعض البعض من حقوقكم المغتصبة.
وبهدوء شديد، وبلا انفعال، يمكن القول أن كل ما هو مطروح الآن كمشاريع حلول لا بد من رفضه والجهر بهذا الرفض ليس بدافع الحرص على كرامة من مات، بل أساساً بدافع الاحترام لعقول الذين لا يزالون – بفضل الله ونعمه – على قيد الحياة، إضافة إلى مشاعرهم وعواطفهم وذكرياتهم الحميمة.
إن أبرز قاعدتين لمشاريع الإصلاح السياسين كما يروجون ويرددون ، هما:
1 – إقرار المناصفة الطائفية في المجلس النيابي، فيكون للمسلمين 60 نائباً كما للمسيحيين!
وكأنما الشكوى حالياً من نقص في العدد، وليس من طبيعة القانون الذي تجري الانتخابات على أساسه والذي “يفرخ” لنا هكذا نواب أكارم يمثلون ويدافعون عن مصالح من “صورهم” نواباً، بالزور أم بالتزوير أم بتمكينهم من رشوة الناخبين بالمال السائل نقداً أم بالخدمات لا فرق.
وكأنما الطائفية تتصل بالنسبة، فكل ما يخضع لقاعدة 5×6 هو طائفي أما ما يخضع لقاعدة 6×6 فلا يمت إلى الطائفية بصلة!
2 – انتخابات أو اختيار رئيس الحكومة في مجلس النواب، ومتى تم ذلك “باركه” رئيس الجمهورية مؤكداً بذلك إيمانه بالمشاركة والتزامه بها نصاً وروحاً!
وغني عن البيان إن هكذا انتخاب ليس أكثر من “تعيين” معكوس من حيث الاجراءات لرئيس الحكومة من قبل رئيس الجمهورية…
أي: بدلاً من أن يوصي فخامته النواب ويضع على ألسنتهم اسم من يريد من المحظوظين شريكاً برتبة رئيس للوزراء، ثم يبعث به إليهم في المجلس لكي يمنحوه ثقتهم (أي ثقته) الغالية، فإن الدورة تبدأ – شكلاً – من المجلس لتنتهي فعلياً إلى النتجية ذاتها: من يريده الرئيس “يختار” و”ينتخب” بالإرادة الحرة!! للنواب الآتين بالإرادة الحرة!! لتمثيل الشعب وحقوقه ومصالحه الحيوية.
وهكذا بدلاً من أن “يشارك” رئيس الجمهورية المجلس النيابي، “يشارك” المجلس النيابي رئيس الجمهورية في “اختيار” رئيس الحكومة، الذي يأتي – عبر هذا الطريق الديمقراطي – قوياً كما الفحل ليحد من صلاحيات رئاسة الجمهورية وطغيانها!
… وإنه لثمن بخس هذا الذي دفعه شعب لبنان لقلب الآية: فما قيمة عشرة آلاف قتيل وأربعين ألف جريح ومئة مليار ليرة، إزاء أن “تصحح” الأوضاع فيرشح المجلس لصاحب الفخامة بدلاً من أن يرشح صاحب الفخامة لمجلس النواب الذي اصطنع نوابه (أو أكثريتهم الساحقة) واصطفاهم على كأس عرق مع مازة أكسترا!
… وإنه لثمن بخس هذا الذي دفعه شعب لبنان لتحقيق المكسب الآخر: تكريس الطائفية في المؤسسات، وعلى رأسها مجلس النواب، على أن تلغى كشرط للوظيفة الإدارية… فمن “حرمه” انتماؤه الطائفي من أن يصير نائباً يمكنه، وببساطة، أن يصير كاتباً أو حتى حاجباً في أهم مؤسسات الدولة بما في ذلك المجلس النيابي.
على هذا، وبناء عليه، وبما أن عقول المسؤولين والقادة في لبنان لم تستنبط بعد حلولاً أفضل للأزمة التي تكاد تلتهم لبنان، فاهتموا بالمؤن والذخائر وما شابه من سبل النضال الديمقراطي في ظل هذا النظام الفريد.
ولا تنسوا: لتبق أيديكم على الزناد حتى لا تمر الخديعة الجديدة فوق مزيد من جثثكم أيها اللبنانيون!