بقليل من الحماسة والمبالاة ينظر اللبنانيون إلى اجتماع اللجنة العربية الثلاثية، اليوم، في الرباط…
فاللجنة تتصرف وتريد للبنانيين أن يفهموا إن مهمتها الأصلية قد انتهت، وإنها تنتظرهم لكي تستعيد دورها، أو بصيغة أدق لكي تنجز ما تبقى من دورها.
وفي انتظار الرجوع إلى السياسة تكاد اللجنة تحول نفسها وتتحول – فعلياً – إلى جمعية خيرية أو هيئة إغاثة لا تغيث وتكاد تمنع غيرها من إغاثة ابن السبيل الذي كان عزيز قوم فذل، لبنان.
لكن تقزيم اللجنة ومهمتها هو، بنظر خبراء السياسة، قرار واع ولعله مطلوب.
فالكل الآن ينتظر الكل،
جعجع ينتظر دخول الهراوي، والهراوي ينتظر سقوط عون، وعون ينتظر نجاح الفاتيكان وفرنسا في تبديل الموقف الأميركي، والموقف الأميركي معلق في انتظار استقرار الأوضاع في إسرائيل واستتباب القيادة لحزب العمل برئاسة “الصديق” شيمون بيريز!
والموقف الأميركي كوني وليس عونياً، ولبنان يأتي في آخر سلم الاهتمامات الراهنة للإدارة الأميركية التي “لزمت” الوضع اللبناني لأصدقائها السعوديين ومعهم الشريكان المغربي والجزائري.
وللسعوديين وجهة نظر في طريقة “إنهاء الوضع الشاذ” القائم في لبنان قد لا تتطابق تماماً مع رأي دمشق، ولدمشق حق “الفيتو” على ما يقرر في غيابها أو بالنيابة عنها أو بتجاهل مصالحها الحيوية ودورها الذي لا بديل ولا غنى عنه لقيام أو لتجديد الجمهورية اللبنانية.
نتيجة لهذا كله ربطت اللجنة الثلاثية، ودولها، مساعدة الشرعية بإثبات وجودها وقوتها، لكن هذه الشرعية التي ولدت بعملية قيصرية وورثت أنقاض الدولة المندثرة كانت تحتاج مساعدة استثنائية لكي تثبت حضورها،
وهكذا بين “اعطونا لكون” وبين “كونوا لنعطيكم” ضاع وقت ثمين وضاع من هيبة الشرعية الوليدة الكثير ومن رصيد اللجنة العربية العليا (قبل الوزارية) أكثر.
ومؤكد إن اللجنة ستفضل اليوم أن تنتظر انتهاء الحرب على الشرقية، مكتفية بـ “تحريض” حكم الطائف على “بسط سلطته” وهي تعرف سلفاً إنه لا يقدر متى أراد، وإن بعض النقص في قدرته يرجع إليها قبل غيرها.
وملفت هذا السخاء في عروض الخارجين على الشرعية، في الشرقية، الذي جاء متزامناً مع الاجتماع الجديد للجنة القديمة.
إن سمير جعجع يتسابق الآن مع ميشال عون في دعوة الشرعية إلى تشريفه ضيفاً غزيزاً.
الأول يعرض عليها الثكنات والمرافق والأعباء جميعاً، محتفظاً لنفسه بالرئاسة والسياسة والمسؤولية الشاملة عن “مناطقه المحررة”.
والثاني يعرض عليها توحيد السلاح “الرسمي” ضد ميليشيا سمير جعجع، مدغدغاً عصبية العسكريين تجاه الجيش كمؤسسة توحيدية وكركن أساسي من أركان الدولة… لكنه يقدم العرض بشقه العسكري محتفظاً لنفسه بحق الإمرة، ولموقعه بحصانة الشريك المفوض.
الأول يعرض عليها مقاسمتها شرعيتها: الأرض مقابل السلطة،
أما الثاني فيطلب منها جيشها لكي يكمل به الحرب الذي بدأها ضد الدولة ومقوماتها أصلاً، والتي يعجز الآن عن إنهائها في وجه الميليشيا التي أخذت منه الأرض والسلطة معاً.
كل يريد من الشرعية، ومن خلفها سوريا وأهل الطائف، أن تعمل لحسابه،
ولعل اللجنة الثلاثية قد أغرت كلا منهما باستعدادها لسماعه حين تقاعست عن تعزيز قدرات الشرعية بحيث تصبح أقوى من الطرفين مجتمعين.
البعض يقول إن اللجنة، أو بعض أطرافها، قد عملت لإقامة تحالف مستحيل بين المرجعيات المارونية المقتتلةن وإن استمرار الحرب على الشرقية قد أصابها بإحباط مريع، وإنها لم تر من هذا الوضع المأساوي إلا ما يُظهر حجم الانتصار السياسي الكبير الذي تحقق لسوريا، ولو سلباً، ومن هنا فهي تحاول تأخير النهايات المحتومة بحيث يمكن إنقاص حصة سوريا فيها، ولو كلف ذلك اللبنانيين المزيد من الخسائر الفادحة في الأرزاق والأرواح.
لقد بادرت الجزائر، قبل فترة، فقررت حجم مساعدتها المادية (العينية) للشرعية في لبنان، ولكنها عادت فترددت حتى لا تحرج السعودية التي استمهلت، ثم عادت فاستمهلت مجدداً، مؤخرة بذلك القرار المغربي. وبالنتيجة المساعدة العربية (المدودة) للحكم الذي أنجبته و”منحته” للبنان.
وفي حين يأمل اللبنانيون أن تكون أسباب التحفظ السعودي قد زالت أو تضاءلت بحيث يمكن – أخيراً – الإفراج عن المساعدة العربية (المحدودة) للشرعية، فإنهم لا يظهرون كثيراً من الحماسة لتحول المرجعية العربية على مستوى القمة إلى صليب أحمر بإمكانات تافهة.
إن الحل هو ما يطلبه اللبنانيون من أهلهم العرب،
أما البطانيات والخيام وكرتونة المساعدات الغذائية وفضلات الأدوية التي لا تفشي مريضاً فما أكثر المتبرعين بها،
وأخيراً فإن ما يأمله اللبنانيون من اللجنة العربية العليا هو المساعدة على أن تنتهي الحرب على الشرقية بنصر بين للشرعية وليس بنصر للميليشيا على الشرعية وجيشها ودولتها العتيدة.
ورأس ميشال عون لا تكفي لتعويض الفارق بين النصرين!