“حسن” لن يعطى، اليوم أيضاً، الفرصة لكي يقول رأيه،
تماماً كما أنه لم يسأل، بالأمس، رأيه…
كل ما حدث، السبت، إنهم اقتحموا عليه مكتبه داخل حرم مستشفى أوتيل ديو، وسحبوه بقوة الرشاشات إلى الباب. ابعدوا عنه الراهبات والممرضات وزملاءه المستضعفين، وأفرغوا حقدهم رصاصاً في قلبه الابيض!
اللوائح الرسمية لأهل الرأي لا تتضمن اسم “حسن”، ولهذا لم يوجه إليه دولة الرئيس دعوة للقاء فخامة الرئيس في القصر الجمهوري من أجل التداول معه في شؤون البلاد.
أما لوائح القتل الجماعي فكانت تتضمن اسمه خالياً من أي لقب أو شرح أو تفصيل “ينير التحقيق”!
ووفقاً للوائح الرسمية فإن رأي “حسن” جريمة مصنفة وموصوفة: هو هدام، مشاغب، أفكاره مستورجة، معاد للكيان والنظام إضافة إلى الله والوطن والعائلة.
أما في لوائح ميليشيا الكتائب فإن اسم “حسن” هو الجريمة،
وأهل القصر – بل القصور جميعاً – يعرفون رأي “حسن” من دون أن يسمعوه، ومن قبل أن يعلنه. إنه موظف بسيط. ليس كبيراً وليس أميراً، وليس وزيراً، وليس مديراً. إنه أي واحد من الثلاثة ملايين لبناني (بعد حسم نسبة الأربعة في المائة وسماسرة هؤلاء السادة). أي إنه بالكاد يسد رمق أطفاله الخمسة. والأكيد أنه كان يتأفف باستمرار، فالغلاء يطارده كما الغول، في كل مكان: في إيجار البيت، في أقساط المدرسة، في سعر الدواء، في أثمان الحاجيات الضرورية للعيش بكفاف. ثم إنه ابن فلاح جاء المدينة باسماله، هارباً من الفاقة والعوز. وأفكاره، بالتالي، مستوردة من قريته الضائعة وسط عواصف الغبار… ومن الطبيعي أن ترفض مثل هذه الأفكار الريفية السقيمة في مدينة متلألئة ودولية السمعة والصيت والمركز كبيروت.
صحيح إن كل من وما في بيروت مستورد. ولكنه مستورد من أرقى العواصم في العالم، ومعظمه يحمل في عنقه اسم “الوكالة” أو “الشركة” أو “الدولة” التي صنعته أو اعتمدته. أما هذا الريفي الساذج فماذا يحمل غير الأحلام، وكلها يدور على اشتهاء ما للغير وما شابه من محرمات؟!
في أي حال لقد حلت “المصادفة” الأشكال: ميليشيا الكتائب اغتالت “حسن” ولم يعد القصر ملزماً بسماع رأيه…
والمكتب الثاني، بكل من فيه، مستعد للشهادة إن الأمر محض مصادفة، وإن ليس ثمة تنسيق ولا من ينسقون بين القصر والكتائب.
إنه القدر. إنه أمر الله وحكمته. أونسينا إن الموت حق؟!
لقد مات “حسن”، وبموته ذهب حقه في إبداء رأيه. أفليست هذه هي الديمقراطية؟! أم أنتم تريدون أن يصوت الأموات؟!
في القصر، اليوم، لن يكون “حسن” بين المدعوين ولا بين الحضور.
لكنه في موقعه، تحت، باق….
كل ما في الأمر أن لا لغة مشتركة بين الذين فوق والذين تحت،
وبانتظار عثور أهل القصر على “اللغة المشتركة” فإن رفاق “حسن” من الريفيين السذج وأبناء المدينة الأقوى من فسادها وإفسادها، يطهرون مزيداً من الشوارع والأحباء من القتلة وشركائهم،
ورفاق “حسن” غير مستعجلين… لأنهم يثقون إن لغة واحدة ستسود في النهاية.
ومن المصادفات إنهم لا يعرفون غير لغة واحدة ووحيدة.
.. وإنهم يعرفون كيف يقاتلون ولا يعرفون كيف يقتلون.