طلال سلمان

على الطريق حرب المفاوضات.. مع واشنطن!

وحده لبنان، يخوض “حربين” تحت راية التفاوض:
الحرب الأولى، والأقسى، هي مفاوضاته مع الولايات المتحدة الأميركية والتي تحكمها القاعدة اللينينية الخالدة:
خطوة إلى الأمام.. خطوتان إلى الوراء!
والحرب الثانية، والأغرب، هي مفاوضاته مع “العدو” الإسرائلي من أجل أن يعترف به، ثم من أجل أن يعترف بأنه يحتل بعض أرضه فعلاً، وبأنه من ثم مستعد لأن ينسحب منها ذات يوم.
الحرب الأولى – ومعها المفاوضات – مفتوحة منذ قيام “الجمهورية الثانية”..
فبرغم الاعتراف الأميركي برئاستها ومؤسساتها، وبرغم التوكيد الدوري لاحترام واشنطن لاستقلال لبنان وسيادته على كل أرضه، فإن العلاقات بين البلدين ما زالت تخضع لقيود صارمة تكاد تكون فريدة من نوعها.
إن لبنان ما زال بالنسبة للأميركيين “بلد الطاعون”، كما وصفه مرة وزير الخارجية الأميركية الأسبق جورج شولتس.
فعلى لبنان وحده تطبق التدابير التي كانت متبعة إزاء “إمبراطورية الشيطان”، الاتحاد السوفياتي السابق، الذي كان يمنع سفر المواطن الأميركي إليه إلا بإذن خاص يسمح باختراق الأسوار إلى ما وراء “الستار الحديدي”.
ولبنان، وحده تقريراً، هو بلد المخدرات والتهريب والمهربين والمطار السائب والأمن غير المضبوط والخطر الداهم على حاملي الجنسية الأميركية.
يأتي الأميركي إلى دمشق وإلى قبرص ومنها قد “يتسلل” إلى لبنان،
فإذا ما استوجب الأمر أن تكون رحلته مباشرة، وضعت التأشيرة على ورقة منفصلة ليست من أصل جواز السفر، ليبقى الاستثناء ميزة للمحظوظ أو للمكلف بمهمة خطرة في بلد “الذاهب إليه مفقود والعائد منه مولود”.
كيف، في ظل علاقات شوهاء كهذه مع الدولة الراعية، يستطيع لبنان أن يخوض حرب مفاوضات سوية مع “العدو” الإسرائيلي؟!
إذا كانت واشنطن تطعن في قدرة الحكم فيه على ضبط الأمن في عاصمته ومطاره الدولي ، فكيف تريدها أن تضغط على إسرائيل من أجل التسليم بحق الدولة اللبنانية في ممارسة استقلالها وسيادتها على أرضها؟!
لا بد، إذن، من تصحيح الخلل في العلاقات الأميركية – اللبنانية.
لا بد من أن تتعاطى واشنطن مع بيروت كما مع أي عاصمة أخرى، عربية أو غير عربية: لا تمنع مواطنيها من القدوم إليها، ولا تمنع شركة الطيران اللبنانية من الوصول إلى مطاراتها، هذا قبل أن نصل إلى حديث المساعدات… بما فيها (للمناسبة) إدراج اسم لبنان في قائمة المتضررين من حرب الخليج (الأولى؟!)!
إن سنونو واحدة ليست الربيع،
وزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، روبرت بيلليترو، وهو الأكثر ثرثرة ومجاملة، مفيدة بلا شك، ولعلها كانت ضرورية أقله لمعنويات أهل الحكم، ولكنها ليست إيذاناً بتطور دراماتيكي على مسار المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، ولا هي خاصة إعلان متأخر عن نوايا حسنة لإحياء القرار المنسي 425.
إنها شهادة حسن سلوك، ولكنها ليست تهنئة بالنجاح في امتحان “القبول”!
وزيارة بيلليترو في لبنان من طبيعة أمنية، ووظيفتها السياسية تطمينية، لا أكثر،
ولعل بين استهدافاتها امتحان صلابة الموقف اللبناني في قوله بالتلازم بين المسارين اللبناني والسوري.
ولقد رمى الدبلوماسي الأميركي العارف بالشؤون العربية، من خلال ثرثراته المجاملة، أكثر من طعم، ليمتحن “مناعة” المفاوض اللبناني،
وهل ارتباطه بالسوري اضطراري أم أنه “استراتيجي” ، والإشارات إلى التمهيد لاستئناف المفاوضات بوفود تفاوض على كيفية التفاوض واضحة تماماً.
كذلك فلعل استهدافها الأصلي “فلسطيني” أكثر مما هو لبناني أو سوري.
فالدبلوماسي الأميركي الآتي من غزة، حيث التقى مع رئيسه كريستوفر، “صديقه القديم” ياسر عرفات، يعرف بالتفاصيل خطورة الوضع الدقيق الذي تعيشه سلطة الشرطة الفلسطينية ورئيسها المحاصر بالنارين: نار الاحتلال الإسرائيلي الذي يصر أن يبقى بعد “السلام” ونار الشارع الفلسطيني الذي خسر الانتفاضة ولم يربح لا الأرض ولا السلطة عليها.
بل لعل السعي الأميركي إلى توكيد استمرار المفاوضات، وبالتالي العملية السلمية، بأي شكل وعلى أي مستوى، خدمة يحتاجها الإسرائيلي من أجل إعطاء جرعة إضافية من المساعدات لياسر عرفات لتدعيم سلطته المتهالكة فوق غزة المطحونة بالفقر والخيبة والعزلة إضافة إلى الاحتلال وجيشه ومستوطناته – القلاع!

Exit mobile version