عُززت الحراسة على باب “الجنة”، وأضيف إلى القوة العاتية التي تحمي فلسطين من أهلها “طابوس خامس” من الفلسطينيين تعزيزاُ لحرس الحدود الإسرائيلي.
صارت “الجنة” أسيرة مرتين، وأضيف إلى حاجز الحديد والنار الذي يمنع الدخول إليها إلا خلسة حاجز آخر مهمته التأكد من “براءة” الداخل إليها من شبهة الانتماء الوطني أو من جرثومة الإيمان بعروبة الأرض والناس والقضية.
وقد يكون من الظلم تشبيه من تبقى من رجال الكفاح المسلح والذين هجروا الدنيا ذات يوم ليصيروا فدائيين، بتلك الميليشيا التي أقامها العدو الإسرائيلي في المنطقة المحتلة من جنوب لبنان بقيادة ضابط متقاعد موتور يدعى أنطوان لحد.
لكن من الظلم لفلسطين وتضحيات شعبها، بالمقابل، أن نعتبر حرس الحدود الجديد الذي تقيمه إسرائيل من حولها بأجساد الفلسطينيين، نواة لجيش “الدولة الفلسطينية” العتيدة، أو تجسيداً للقرار الوطني المستقل الذي كان الزورق الذي ركبته قيادة منظمة التحرير إلى أوسلو لإنجاز الصلح المنفرد.
المحتل إسرائيلي والحارس فلسطيني والوطن في الأسر والأمة في ضياع.
والاتفاق الجديد لا يفعل غير فضح طبيعة الاتفاق الأصلي، فإذا هو التحاق بالتطوع، بدلاً من الإلحاق بالإجبار.
والاتفاق الجديد أكد الطبيعة الملتبسة للاتفاق الأصلي بدل أن يعمل على نفيها أو تخفيف الغموض المنهك للطرف الأضعف، وهو هنا الفلسطيني نتيجة أوضاعه كما نتيجة تلهف قيادته على أي حل وفي أسرع وقت، ولو بأقسى الشروط.
ثم إن الاتفاق الجديد أكد تلك النزعة الدائمة عند قيادة منظمة التحرير نحو التمسك بالشكل على حساب المضمون، والتمسك بالشخص على حساب القضية: فالمهم بالنسبة إليها أن يرفع العلم، ولو داخل غابة من الأعلام الإسرائيلية، والمهم أن ينجح عرفات حيث فشل الآخرون ولو لأنه أكثر أهلية وقدرة و”شرعية” على التنازل من المفاوضين الآخرين (الذين يمكنهم الآن ادعاء التشدد والاستماتة حتى لا يقع تفريط بالحقوق الوطنية المشروعة…)
وأخطر ما يمكن أن يقع للاتفاق أن يناقش بمنطق بحث أمني،
فهو، أولاً وآخراً وبرغم أي ادعاء مغاير، اتفاق بين طرفين يفصل بينهما خندق من الدم وجبال من جثث الشهداء والضحايا، وتاريخ من الصراع استهلك أجيالاً وما زال مرشحاً لأن يستهلك المزيد من الأجيال، إذا ما أغفلت طبيعة ذلك الصراع حول الأرض والحق والإنسان، حول الجغرافيا والتاريخ، حول الحقيقة والخرافة، حول الحاضر والمستقبل إذا ما تم تجاجهل الماضي الباقي شاهداً حياً على خطل ما يتم “إنجازه”.
إنه اتفاق سياسي وإن بدت طبيعته أمنية،
ولقد حسم فيه، ضمن ما حسم، ذلك الجدل حول “السيادة”، فإذا هي إسرائيلية مائة في المائة، إذ نص على “احتفاظ إسرائيل خلال المرحلة الانتقالية بمسؤولية الأمن الخارجي بما في ذلك الأمن على طول الحدود مع مصر ومع الأردن”.
ولما كانت هذه “الحدود” هي حدود الاحتلال وليست حدود “الكيان الإسرائيلي” المفترضة بعد قيام “الكيان الفلسطيني”، إذن فالسيادة إسرائيلية بالمطلق، وبتسليم فلسطيني ممهور بتوقيع “الرئيس” ياسر عرفات.
ولما كانت المرحلة الانتقالية مجهولة المدة، برغم كل النصوص حول المواعيد التي ثبت أنها غير مقدسة، فما كان مقرراً إتمامه في 13 كانون الأول من العام الماضي لم يتم بعد مرور شهرين على ذلك الموعد المهيب، وبالتالي فإن جميع المواعيد الأخرى للانسحاب من غزة وأريحا مرشحة للتأجيل حتى إشعار آخر.
… خصوصاً وإن الاتفاق الجديد لم يوضح ما خفي أو أخفي عمداً في الاتفاق الأصلي مما يتصل بمساحة كل من غزة وأريحا، والمساومة متفوحة حول أريحا، تمتد أحياناً بضعة كيلومترات أو تقصر، ويضيع معها الخط الفاصل بين ما سوف يتحرر من الأرض وما سوف يبقى بعد الاحتلال، ومساحة منطقة الحكم الذاتي العتيد.
على أن المثير للقلق. في هذا الاتفاق التفصيلي هو “لغته”: فكأنما الطرفان حليفان ضد “الآخرين”، يستوي في ذلك فلسطينيو الداخل وفلسطينيو الخارج وسائر العرب من المعنيين بالقضية الفلسطينية أو حتى بمستقبلهم في أقطارهم.
لكأنه نوع من الاتحاد مع العدو لمواجهة من هم في الخارج، خارج “الحدود” و”المعابر” وخارج الاتفاق الأصلي والاتفاقات التفصيلية التي لا تفعل غير توكيد هجانة هذا الكيان الفلسطيني الآتي كأطفال الأنابيب من صلب الاحتلال وبواسطته وكضمانة إضافية لأمنه، أكثر منه تلبية لحقوق الفلسطينيين في أرضهم ولكيان شرعي يليق بالحد الأدنى من تضحياتهم عبر دهر الصراع الدامي والطويل.
تحية للثورة الإسلامية في عيدها
تحتفل الثورة الإسلامية، في إيران اليوم، بالذكرى الخامسة عشرة لانتصارها، مؤكدة أنها أقوى من الحروب والمؤامرات الداخلية والخارجية وأقوى أيضاً من حصار التجويع.
ومع أن تاريخ هذه الثورة التي ساهمت في تغيير العالم ليس كله إنجازات، ولا هو انتصارات بالمطلق، إلا أن العثرات والأخطاء والارتباكات فيه طبيعية لأن الثورة – في خاتمة المطاف – هي إنجاز بشري، والإنسان خطاء…
ولسوف تظل نقطة سوداء في تاريخ العرب أنهم، بمجملهم، أساؤوا استقبال هذه الثورة التي جاءتهم بإيران وكان يمكن أن تجيئهم بسائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،
كذلك فلسوف يكتب التاريخ أن العرب مسؤولون عن كثير عن وجوه القصور أو التقصير التي وقعت فيها هذه الثورة،
فالإسلام من دون العرب يفتقد الكثير من وهج رسالته وزخم دعوته،
والعرب من دون الإسلام يفتقدون الكثير من روحهم،
ولعل العرب والإيرانيين اليوم أكثر ما يكونون حاجة إلى التواصل والتعاضد والتساند والتكامل.
وغداً إذا ما أصاب الضرر إيران وثورتها، لا سمح الله، سيكون العرب شركاء في الضرر، مقداراً بمقدار، حتى أولئك الذين يتوهمون أن شرط راحتهم أن ينتهي كابوس الثورة الإسلامية.