سيمضي وقت قبل أن “يتعود” اللبنانيون على الحكومة الثلاثينية التي – كسفينة نوح – فيها من كل زوجين اثنين… ولرئيس الجمهورية زوجان وفرد، أو يزيد!
ولن يتقبل اللبنانيون هذه الحكومة، مع تفهمهم للظروف الخاصة جداً التي أملت تشكيلها، وقد يظل بعضهم ينفكرها حتى ترحل، بل إن بعض المعنيين بولادتها قد يعلنون براءتهم من إثم قيامتها بهذا الأسلوب وبهذه التركيبة وفي هذه اللحظات بالذات.
لكن مفاجأة اللبنانيين تأتي في سياق منطقي: فهم يواجهون، ولأول مرة، بعض نتاج الحرب الأهلية التي عاشوا في ظلها دهراً كاد يستنزف أعمارهم وأجيالهم.
إنهم كمن التقى “صديقاً” بعد غياب طويل فأخذ يقرأ مستهولاً، في تجاعيد وجهه في بياض شعره وفي اضطراره إلى النظارات الطبية لضعف في نظره، ما أصابه هو شخصياً من تبدلات وتحولات أبعدته عن الشباب وقربته من الكهولة.
يكادون يهتفون مستنكرين الآن : أهذا نحن؟!
ومن أسف أن الجواب مفحم: نعم، هذا تقريباً ما أنتم عليه!
إنها صورة للماضي، ولعلها لا تكون صورة للمستقبل.
لا يمكن الدفاع عنها إلا بمنطق الأمر الواقع، ولا يمكن الهجوم عليها إلا بمنطق التمني!
من هنا فليست تهمة أن تكون “حكومة أمر واقع”. هي بالفعل كذلك، وبغض النظر هل هذه شتيمة أم وصف لواقع الحال!
وعيوبها العديدة، اليوم، كان يمكن أن تكون كلها أو بعضها مزايا وإنجازات تاريخية لولا الحرب، وقبل الحرب.
فإن تدخل الأحزاب العقائدية جنة الحكم في لبنان، لاسيما تلك التي تحمل رايات قومية، مطلب عزيز وقديم وهدف نضالي كادت تطمسه الحرب وتلغيه.
أما حال تلك الأحزاب اليوم، وكيف أنهكتها وهشمتها الطائفية والممارسات المغلوطة والانغماس في حماة الحرب الأهلية، فهذا حديث آخر.
وأن يشارك في الحكومة بعض “المجهولين” ممن لا ينتسبون إلى نادي العائلات السياسية، فهذا تطور إيجابي، من حيث المبدأ، وبغض النظر عما إذا كان هؤلاء هم أفضل “المجهولين” و”المنسيين” والمسقطين دائماً من ذاكرة الحكم.
هذه الحكومة إعلان مدوٍ عن حجم “التغيير” الديموغرافي والسياسي الذي طرأ على لبنان،
وحتى لو كان الإعلان صارخ الألوان ويفتقد إلى الجمالية والتنسيق والنظافة والاتقان فهذا لا يبدل من جوهر الموضوع: هذا ما فعلتموه ببلادكم أيها اللبنانيون! وذنبكم على جنبكم. لقد فقدتم “التاريخيين”، لكنها قد تكون فرصة لكي يولد “المواطن”… بالمعنى التاريخي للكلمة، ولو بعد حين، والحين قد يجيء مع رحيل حكومة الثلاثين!