صريحة كانت “فتاة تركيا” السيدة طانسو تشيلر وهي تستقبل رئيس حكومة لبنان بتحديد جدول أعماله في بندين اثنين وملحق:
*فأما البند الأول فهو المسائل الاقتصادية، ولنا أن نفترض كم سيكون مريحاً الكلام في هذا الأمر بين بلد مفلس طلب المساعدة من كل أصدقائه “الأغنياء” فمنعوها عنه، وبين دولة ادعاءاتها أكبر بكثير من إمكاناتها، وكثيراً ما أمدها أولئك “الأغنياء” إياهم بتكاليف الدور الإقليمي الواسع المكلفة به من “سيد الجميع” الأميركي.
** وأما البند الثاني فهو “الإرهاب”، والإرهاب في اللغة السياسية للحاكم التركي لا يعني إلا الأكراد وكفاحهم المسلح لانتزاع الاعتراف بهويتهم وبحقوقهم الطبيعية كأكراد وليس كأتراك الجبال، وفي تركيا وليس في خارجها.
وضمن هذا المفهوم فإن لبنان متهم بإيواء الإرهابيين وتشجيعهم، وبالتالي فهو في موضع الاتهام، وعليه أن ينهي الحرب الأهلية في تركيا التي ذهبت بآلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى والمشردين حتى تاريخه، لكي يخرج من قفص الاتهام ويستحق رضا الباب العالي والصدر الأعظم الحديث.
*** وأما “الملحق” فيتصل “بعملية السلام”، ولتركيا دور معروف فيها يفترق كلية عن الموقف العربي ويكاد يتماهى بالموقف الإسرائيلي، بل إنه غالباً ما قدم الإسناد الاستراتيجي للكيان الصهيوني مشكلاً معه الفك الثاني للكماشة.
فالجيش التركي، في هذه اللحظات، يتابع مطارادته للأكراد والبؤساء في شمال العراق، بغير تحرج أو اعتذار عن خرق سيادة الدولة الجارة، ومتابعة حرب الإبادة المنهجية التي يعتمدها منذ بضع سنوات ضد ذلك “الشعب الشقيق” على امتداد مساحة تركيا وكما في العديد من الأقطار الأوروبية وبالتحديد سويسرا وألمانيا وحيث توفر الملجأ الآمن لأولئك الهاربين من الموت التركي.
والسجل العربي – التركي حافل بالصفحات السوداء حتى لتندر فيه البقاع البيضاء، التي يمكن أن توفر للزيارة اللبنانية موقعاً لائقاً ومقبولاً، أو تسمح بتوقع نتائج طيبة كالتي تحتاجها خطة النهوض الاقتصادي ويتطلبها السؤال عن مصير بيروت بعد الشركة العقارية، والإدارة بعد “تطهيرها” والأزمة الاجتماعية التي حلها إلغاء الإضراب “بتجيير” الوعد حتى تموز المقبل، والإصلاح الضريبي الذي سيعيد للخزينة حقوقها وبنك الغسكان الذي سيوفر للشركات “الإيراد” الذي تطلبه بغير جهد أو رأسمال.
لقد التقى “المتعوس مع خايب الرجاء”.
فعسى ألا تكون “المساعدات” التركية دروساً في كيفية إدارة الحرب الأهلية، وفي أقصر الطرق لاستئصال الإرهاب، أو في أفضل الأساليب لابتزاز الجيران عبر التحكم بمنابع المياه لكي يسلموا لعدوهم القومي بما لا يجوز التسليم به، من التراب الوطني وحق أهله فيه.
وعسى أن تكون “فتاة تركيا” أرحم بجيرانها العرب كما بأهلها الأتراك من أسلافها العظام جماعة “تركيا الفتاة”.