من حق المواطن أن يطلب شهادة القادة العرب، وأن يحتكم إليهم وهو يحاول التصدي للوضع الشاذ القائم في لبنان الآن، ليقرروا عىل الأقل: أين الصح وأين الخطأ؟ أين الحلال وأين الحرام في ما يحصل فوق الأرض اللبنانية؟! أين هي القضية ومن يحاول نصرتها ومن يقاتل لتزييفها؟! وفي النهاية، من معهم، ومن ضدهم؟! حتى لا نحرجهم فنسألهم هم مع من وضد من، مع أي مشروع وضد أي مشروع سياسي لمستقبل لبنان ومن فيه؟!
ومن حق هذا المواطن أن يتوجه إلى هؤلاء القادة حتى وهو يائس من رغبتهم أو قدرتهم على تغيير ما هو قائم، أو حتى وهو يعرف عن تورط بعضهم في علاقات “حميمة” مع “أبطال” المشروع التقسيمي في لبنان.
فهؤلاء القادة معنيون بما يجري بحكم مسؤولياتهم القومية أولاً، ثم بحكم مسؤوليتهم المباشرة عن لبنان بالذات، لأنهم حاولوا وجربوا فيه فنجحوا أو أخفقوا، وأفادوا منه في كل الحالات منبراً ومنتدى قومياً وشارعاً وطنياً وسوقاً و”ساحة” مفتوحة لكل “حالات” الصراع وتياراته، وجسراً مع الغرب وحضارته الشديدة والتنوع والخصوبة والأمتاع!
ثم إنهم “شهود”: كانوا هنا فرأوا وسمعوا وعرفوا فطنشوا غالباً أو تذرعوا بعدم وضوح الرؤية وعدم نقاء الصوت حتى لا يطالبوا بموقف سواء أكان الموقف المطلوب من حدث “غامض” كالاجتياح الإسرائيلي للبنان، أو “حادث عارض” كمثل اغتصاب الكتائب السلطة بحماية دبابة الغزو الإسرائيلي (وبمباركتهم هم) في صيف العام 1982، أو “واقعة طريفة” كمثل تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية وانشطار لبنان إلى لبنانين ظريفين ومهضومين وصغيرين جداً في كل منهما حكومة صغيرة جداً إحداهما تتكون من رئيس – جنرال (نابوليني وضع اليد) ووزيرين فقط بحيث يتولى كل من الثلاثة سبع وزارات صغيرة جداً الخ…
من حق المواطن في لبنان أن يسمع من هؤلاء القادة شهادتهم، لا أكثر،
وتسهيلاً للمهمة، ومنعاً للحرج، فلسوف نستبعد على الفور ثلاثة، ونكتفي بسماع ما يقوله وما يستنسبه لنا ثلاثة منهم:
*نستبعد القيادة السورية لأنها طرف معني، ولأنها أيضاً طرف مستهدف، فالمسألة اللبنانية “شأن سوري”، بمنظور السيادة والاقتصاد كما بمنظور الأمن، دون أن ينتقص هذا الواقع من حقيقة كونها مسألة قومية من الدرجة الأولى.
بهذا المعنى فالسوري مثقل بالهم اللبناني، يحمّل نفسه كما يحمله خصومه وأصدقاؤه على السواء تبعات الفشل والنجاح في قيادته للمعركة من أجل حماية وحدة لبنان وانتمائه القومي.
*ونستبعد، أيضاً، القيادة الفلسطينية “الرسمية”، لأنها تتعاطى مع لبنان كساحة ليس إلا، كمعبر، وهي الآن تعتبره ميدان صراع حتى الموت مع سوريا، فلا يهمها ما تسجل هي من نجاح بل ما تتسبب فيه من فشل للقيادة السورية، بغير أن تتوقف لحظة لترى كم كلف نجاحها أو فشل غيرها من دماء اللبنانيين رفاق السلاح والأخوة في الدم والشركاء في المصير…
*ونستبعد، أخيراً، القيادة العراقية لأنها جاءت بعد طول غياب لتصفية حساب قديم مع القيادة السورية، ولم تتوقف للحظة لتتبين مواقع إقدامها، ولم تعبأ بأن تكون في المكان الخطأ تخوض المعركة بالحلفاء الخطأ وتحت الشعار الخطأ، وبأن يتحول سلاحها ومالها والرجال الذين أوفدتهم لتعزيز قدرات “القوات اللبنانية” إلى أداة تخدم وتساعد على تنفيذ المخطط الإسرائيلي.
فالغرض مرض، والحقد قتال،
أما في السياسة فثمة قراءة أخرى لمثل هذا التصرف، فالخطأ يصير أقرب ما يكون إلى التواطؤ، والشعار “القومي” لا يمكنه أن يغطي – بألفاظه الطنانة وحدها – جريمة قومية كمثل تمكين العدو الإسرائيلي من خلق “إسرائيل صغيرة” على أنقاض لبنان العربي.
على هذا فلسوف نتوجه بالخطاب، أي بالسؤال إلى كل من:
-قائد الثورة في الجماهيرية العربية الليبية العقيد معمرالقذافي.
-وحاكم دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
-ورئيس الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشاذلي بن جديد.
الأخ القائد معمرالقذافي
لعلك أكثر من جرب وخبر مختلف الوسائل والأساليب، من الحوار إلى الدعم إلى التشهير السياسي بالطائفيين والتقسيميين، في التعامل مع الأطراف اللبنانيين، من أهل الحكم وأهل المعارضة، حتى انتهيت إلى دعوة اللبنانيين إلى تبني نظريتك في الحكم الشعبي المباشر عبر المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية، وصولاً إلى إقامة الجماهيرية، حيث السلطة والثروة والسلاح في يد الشعب، وحيث لا مجال للطائفية أو للمذهبية إذ يتم الفصل المطلق بين السياسة وبين الدين بما هو شأن إلهي.
وفي ما يخص هذه المرحلة التي يمكن أن تتخذ بدايتها بالغزو الإسرائيلي للبنان، المستمر بنتائجه السياسية حتى اليوم، نجد إنك قد حاولت أكثر من أسلوب في حماية وحدة لبنان وعروبته، وعلى سبيل المثال:
*فلقد دعمت بكل إمكانات ليبيا المقاومة الفلسطينية في لبنان، ومعها الحركة الوطنية، في قتالها ضد العدو الصهيوني وتصديها للغزو والحصار.
ولقد دخلت، أحياناً، في إشكالات مع حليفك الاستراتيجي الرئيس حافظ الأسد، نتيجة لهذا الموقف الذي التزمت به عن قناعة وفي ضوء رؤيتك وقراءتك لاحتمالات المستقبل.
*ثم إنك، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، عدت إلى الساحة مجدداً بعدما كدت تيأس، إذ أمدتك حالة النهوض الشعبي التي شهدها لبنان بعد شهور قليلة من الغزو، بزخم عظيم ومكنت إيمانك بطاقات هذه الأمة، فأغدقت دعمك على القوى الوطنية المتحالفة مع سوريا وهي تقاتل مشروع الهيمنة الكتائبية على السلطة بحماية العدو الإسرائيلي وبالاذعان له كما تجسد عبر اتفاق العار (17 أيار)،
ولقد كنت في خط الدفاع الأول عن عروبة لبنان، جنباً إلى جنب مع سوريا، ومع الوطنيين اللبنانيين (وفيهم بطبيعة الحال المسيحي والمسلم)، حتى تم إسقاط اتفاق العار ذاك، وبدأ إجلاء العدو الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية تحت ضغط المقاومة الوطنية الباسلة التي اعتبرتها قدوة للعرب في مختلف أقطارهم.
*بعد ذلك، وخوفاً من أن يعتبر الانتصار على حكم الهيمنة انتصاراً على المسيحيين، في لبنان، عمدت إلى فتح أبوابك أمام أمين الجميل، فاستقبلته وأكرمت وفادته، ثم ضغطت على الوطنيين في لبنان من أجل مصالحته والتعاون معه تكريماً لعودته إلى الصراط المستقيم وتقديراً لقطع علاقته بالإسرائيلي.
بل لقد جاهرت بانتقاد المتطرفين من المسلمين في لبنان، ودعوت اللبنانيين جميعاً إلى كلمة سواء، ولعلم بعضهم قد عرض باسمك أن تستضيف مؤتمراً للمصالحة الوطنية،
ثم إنك لجمت التيار المطالب بإصلاح جذري في لبنان خشية أن تصور هذه الدعوة وكأنها “استفزازاً” للمسيحي أو تستغل لاستثارة مخاوفه، التي هي من رواسب عصر القهر الاستعماري، من الأكثرية الإسلامية، فتزور طبيعة الصراع السياسي، ويغدو وكأنه “حرب دينية” على أقلية كل ذنبها إنها مختلفة في معتقدها الديني…
في ضوء هذا كله نطلب شهادتك:
هل يمكن مقاومة التيار التقسيمي بالنصائح والمواعظ الأخلاقية وحدها؟!
وهل إن الصراع في لبنان “سياسي” أم “ديني”… فهل أوصى الدين المسيحي (أو الدين الإسلامي) أتباعه بالارتهان لإسرائيل والسير في ركابها؟!
ثم من قال إن التقسيميين هم الذين يمثلون ، فعلاً، المسيحيين في لبنان؟ ومن قال إن الاختراق الإسرائيلي للنسيج الاجتماعي في لبنان قاصر على المسيحيين؟!
كذلك من برأ جميع المسلمين، وفقط بسبب من انتمائهم الديني، من تهمة الانسياق في التيار التقسيمي أو الانتفاع من “خيرات” التقسيم الواقع؟!
نريد أيها الأخ القائد أن نسمع منك تجربتك، وما تنصح به في ضوء نتائجها، وهي غنية جداً وحافلة جداً ومثيرة جداً.
فهل تتخلف، أيها القائد، الذي اعتبرك جمال عبد الناصر “الأمين على القومية العربية وعلى الوحدة العربية” عن مد العون إلى العروبة في لبنان وإلى الوحدة في لبنان وهو يواجه خطر التمزيق والتفتيت والصهيونية؟!
أما أنت، أيها البدوي الطيب، زايد بن سلطان آل نهيان، فنريد أن نسألك بالإضافة إلى شهادتك عن لبنان أن تضيء لنا بصيرتنا بواقع تجربتك الوحدوية في دولة الإمارات.
نعرف إنك لا تدعي حق القيادة والريادة، ولا تعد بما لا تقدر عليه.
ونعرف إنك حاولت ، بصمت ومن وراء ستار غالباً، أن تصحح المسار، فنصحت ونبهت وحذرت، كما إنك استخدمت سلاح الترغيب مع من تعرف أن مواقفهم للبيع أو حتى للابتزاز،
ولقد استقبلت موفدين لأمين الجميل، ثم استقبلته شخصياً وسمعت منه، والتقيته في مؤتمرات وقمم عربية وسمعت عنه.
وأثرت موضوع لبنان في أكثر من عاصمة غربية وأبديت رأيك فاستمعوا إليه وباعوك كلاماً غامضاً حول الاستعداد للمساعدة والحرص على وحدة لبنان واستقلاله وضرورة تمتين علاقته بمحيطه العربي.
كذلك فأنت تعرف بالملموس، نتائج هذا كله.
ولقد ساعدت ، مع المخلصين، الذين قاتلوا لإسقاط اتفاق 17 أيثار،
وأبديت استعداداً طيباً لمد يد العون إلى لبنان إذا ما تمت المصالحة الوطنية فيه واتفق أبناؤه على إعادة بنائه على قيادة سياسية صلبة من الوفاق الوطني شرطها توكيد الانتماء القومي.
ثم إنك عانيت وما زالت تعاني الأمرين لحماية الحد الأدنى من الوحدة في دولتك التي يتآمر المتآمرون لتفكيك عرى وحدتها السياسية وإعادة أهاليها قبائل متباغضة متناحرة لا يتورع بعضها عن بيع الأرض والبحر والشمس، نكاية بالبعض الآخر.
ونعرف إنه لولا صمودك، ولولا حنكتك، ولولا استنادك إلى تأييد الأكثرية المطلقة من الأهالي الراغبين بالوحدة، لأضاع الدولة والوحدة طمع متسلق أو طامع بالسلطة ولو على حساب وحدة الدولة أرضاً وشعباً ومؤسسات.
إن لديك، بعد الرأي، خبرة غنية تنفعنا بها في صراعنا لحماية وحدة البلاد وعروبتها.
لا نظنك ستبخل بها علينا، خصوصاً وأنت معني مثلنا بمقاومة قيام إسرائيل جديدة على أرض لبنان. وتدرك مخاطر التهاون مع العصابات المسلحة التي باعت نفسها للشيطان وابتدعت لنفسها شعارات وسياسة تسيء إلى العرب جميعاً، في ماضيهم وفي حاضرهم، والأهم في مستقبلهم.
إننا نريد أن نسمع منك تجربتك مع الحكم الانقلابي الكتائبي في لبنان،
ومع “أمثال” هؤلاء في بلادك، ممن حاولوا فأخفقوا حتى اليوم، وممن قد يشجعهم نجاح المشروع الكتائبي هنا على تجديد المحاولة الإجرامية هناك.
فهل لك أن تساعدنا في حماية أنفسنا، وكذا في حماية نفسك وبلادك من هذا الخطر الداهم؟!
إننا لا نطلب مالاً. إننا نطلب راياً وتجربة وموقفاً، وكل ذلك لا يقدر بمال.
فالبدار البدار يا زايد،
وبهذا يكتب لك ولنا، ولأحلامنا، طول العمر… يا طويل العمر.
صدق، أيها الرئيس الشاذلي بن جديد، إننا كثر انشغالاً بالخطر الذي يتهدد الجزائر، الآن، منا بالخطر الذي تراكمت نذره في سماء بلادنا حتى سودتها.
ولسنا الآن في موقف الشماتة، معاذ الله، أو المحاسبة أو اللوم عن التقصير في معالجة المسائل الحيوية للشعب والوطن،
كذلك لسنا في مجال المساءلة عن تلك الحرب القذرة التي شنت تحت راية الأكذوبة المسماة الجمهورية الصحراوية، والتي استنفدت معظم طاقات بلدين عربيين غاليين هما الجزائر والمغرب،
إننا، ومن باب الحرص على الجزائر، وحدتها وعروبتها، نسألك أن تدلي بشهادتك في الموضوع اللبناني وقد “ورطوك” فيه فقمت بأكثر من محاولة للمساعة في الوصول إلى حل أو مخرج أو هدنة طويلة،
لقد ظل خطك مفتوحاً مع أمين الجميل حتى وهو يجري مفاوضاته مع العدو الإسرائيلي، وتحت الرعاية الأميركية، لعقد اتفاق 17 أيار،
ولطالما استقوى علينا بك واعتبرك أقرب إليه منا،
ثم إنك استقبلته غير مرة في الجزائر، ورحبت به، واعتبرت إنك بهذا إنما تساعده على التوبة وتستعيده من أحضان إسرائيل إلى حضن أمه العربية كأنما كان ابناً ضالاً ثم هداه الله فعاد، والرجوع عن الخطأ فضيلة،
بل إنك قد استقبلت، وسط ترحيبنا، بطريرك الموارنة في لبنان، بغير مناسبة، وكرمته أعظم التكريم، للتدليل على إن الجزائر العربية (التي ليس فيها مسيحي واحد) لا تفرق بين عربي ، وآخر بسبب من انتمائه الديني،
ولقد استقبلت من هم دون رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني بكثير وفي ظنك إنك إنما تبذل مساعيك الحميدة من أجل المصالحة والحل الوطني،
فبماذا خرجت من ذلك كله؟!
الست تسمع اليوم في الجزائر أصواتاً تردد منطقاً غريباً ومرفوضاً سبق إن سمعت مثله من بعض رموز التعصب في لبنان؟
ألم يكن سفيرك (السابق) يبلغك بنتائج لقاءاته مع أولئك الرموز جميعاً؟
الست ترى إن السرطان الذي ضرب لبنان، فلم يعالج بالجدية المطلوبة ولم يستأصل، قد بلغ ورمه الخبيث الآن أرض المليون شهيد؟!
فماذا تقول في ما كان يا سي الشاذلي؟!
أهي المصادفات، أم هي خطط أعدتها القوى المعادية لهذه الأمة وجهزتها للتنفيذ في كل قطر تقوم أو تنشأ فيه أوضاع مساعدة؟!
أليس العدو هو العدو؟
أليست عدة الشغل هي هي مع اختلال التسميات: في لبنان الطوائف، وفي الجزائر العرقية والجهوية (دون أن يعني هذا إغفال النتائج القاتلة لسوء الإدارة وسوء السياسة وسوء تقدير المواقف، وإهمال قضايا الشعب وأبرزها قضية هويته، ومعها همومه اليومية)؟!
نريد أن نسمعك الآن وأنت تكتوي، مثلنا، بنار الانفجار الداخلي متعدد الأسباب،
وشهادتك الآن ستكون عظيمة الأثر لأنها مكتوبة بنار التجربة،
حمى الله الجزائر.
حمى الله لبنانز
وسلام على من أتبع الهدى.
