… وحتى أقلامنا والكلمات مخطوفة هي الأخرى مثل نبيل مطر والذين سبقوه، ومهددة بمصير لا يختلف – بالمضمنون – عن مصير ميشال واكد وجورج حنا وزاهي خوري ومهى حوراني.
فبيروت كلها مختطفة ومهددة بالإبادة والاندثار،
كلنا، وبلا استثناء، على قائمة الخطف والاحتجاز والإعدام إذا ما استمر هذا الوضع المفزع، المقرف، وهو مرشح مع الأسف للاستمرار في ظل سيادة الميليشيات والغرائزيات والمذهبيات والمخابرات التي تحتل البلاد من قمة السلطة فيها إلى آخر زاروب في آخر دسكرة!
ويتملكنا الإحساس بالقهر كلما تيقنا إلى أي حد نحن جميعاً في حالة عجز عن مواجهة هذا الوضع ، فكيف بتغييره،
ويتملكنا الإحساس باليأس كلما التفتنا فلم نجد مرجعاً نتجه إليه بالطلب أو بالشكوى أو حتى بالمسؤولية، فلقد انضم المشكو منهم إلى نقابة الشاكين والمتظلمين وصاروا يسبقوننا إلى التذمر والتأفف والتحذير من مخاطر حالة التسيب والانفلات والتشبيح المتفاقم،
مع ذلك، وحتى لو تأكدنا من إنها قد تكون آخر الكلمات فلسوف نرفع الصوت ضد القتلة والجهلة المتآمرين على غدنا ومستقبل أبنائنا،
نعرف إن كلماتنا المخنوقة بالإرهاب الفكري، المختطفة قيمتها وقدرتها على التأثير، قد تظل بلا صدى ومع ذلك فلسنا نطلقها من قبيل القيام بالواجب وعلى طريقة “اللهم اشهد إني بلغت”، ولكن لكي تكون شهادة ووثيقة اتهام ضد مختطفي الأقلام والكلمات والكتب وأسباب التقدمز
وليس يضيرنا أن يجيء كلامنا وكأنه دفاع عن مؤسسة أجنبية هي الجامعة الأميركية،
فنحن والذين مثلنا، وفينا الكثير الكثير من خريجي هذه الجامعة، بين الأعداء الحقيقيين والمناضلين الفعالين ضد الإمبريالية الأميركية، وضد الهيمنة الأميركية وضد مشاريع السلام الأميركي – الإسرائيلي التي يراد فرضها على أمتنا،
أما مختطفو الأساتذة وقتلتهم فيمكن إدراج أسمائهم في قائمة العاملين لمصلحة الإمبريالية الأميركية… فالجهل العربي أو الإسلامين والتخلف العربي أو الإسلامي ليس أداة صالحة لمقاومة الإمبريالية!
والدين كما تعلمناه من قرآننا ومن نبينا العربي يحض على العلم حضاً، ويدفع إليه دفعاً، ويأمر به أمراً، ألم يؤمر النبي الأمي بأن يقرأ؟! فكيف يجيز أهل الظلام لأنفسهم أن يأمروا القارئ بأن يعود أمياً؟!
ألم نؤمر بأن نطلب العلم ولو في الصين، فكيف نعتقل العلم ونأمر بإعدامه ونحتجز العلماء والأساتذة ونقتلهم وهم بين ظهرانينا؟!
ومن سمح لأهل الظلام أن يجيزوا لأنفسهم الربط بين العلم والعمالة للأجنبي، والوجه الآخر لهذه المقولة “الفاضلة” إن الجهل هو شرط الوطنية أو الإيمان؟!
“نريد العلم” هكذا هتف شبابنا، أمس، ومؤدى هتافهم إننا وإياهم سنقاتل ضد الجهل والجهلة،
“ارحموا مستقبلنا”، هكذا هتف شبابنا، أمس، ومؤدى هتافهم إننا وإياهم سنقاتل ضد أعداء الشمس والنور والعلم والحب والورد، أعداء المستقبل.
“اطلقوا سراح الشمعة المنيرة في قلوبنا”، هكذا هتف شبابنا، أمس، ومؤدى هتافهم إننا سنقاتل وإياهم ضد الظلاميين وضد الذين خلت صدورهم من قلوب تنبض بحب الناس والخير للناس، كل الناس…
وليس أمراً مشرفاً لقياديي مجتمعنا أن تسود في “عصرهم” قيم “أبي الليل” و”الشبح” و”الأسود” و”أبو العبد” و”الكاوبوي” و”الترللا” و”النسناس” و”رينغو”، على حساب العلم والأخلاق والفضيلة وكرامة الإنسان.
وليس مما يبهج هؤلاء السادة القياديين أن يقال إن في عصرهم تم القضاء على آخر متعلم وآخر كفاءة في البلاد، وإنهم جعلوها خراباً يباباً وقاعاً صفصفاً ينعب في جنباته اليوم وقد اعتلى الجدران المكفنة بصورهم الملونة!
إن بيروت باقية ولن تزول،
ونحن باقون فيها ولو صارت خربة،
والعلم أقوى من الجهلة والقتلة، ولن يستطيعوا ولو اجتمعت لهم قوة الشياطين أن يطفئوا شعلته التي تضيء طريقنا إلى السماء كما إلى الغد،
والجامعات هي الباقية، وزمن الجاهلية مضى وانقضى ولا يمكن لأحد أن يعيده وإن استعاده لنفسه فعاش (بل مات) فيه.
نقول هذه الكلمات حتى لو كانت آخر ما نقول، ونقولها ولو كانت بلا صدى، ونقولها حتى نبرئ أنفسنا من جريمة اغتيال أنفسنا وأبنائنا والآتين بعدنا!
وليستعد الصامتون بعد لمواجهة النار في عقر دارهم، وهي نار لن ينجو منها أحد، حتى من نافقها أو جاملها أو تعامى عنها أو استخف بأثرها المدمر،
وليستعد الجميع، ولاسيما شبابنا المهدد في مستقبله، لأن يتظاهر قريباً مطالباً بإطلاق سراح الكلمات والمصابيح والشموع الباقية، وما أقلها!