في القاهرة، يقف حكم لبنان أمام مجلس الدفاع العربي المشترك مطالباً بأن يعمل العرب الآخرون على حماية شعبه وبلاده من ضربات إسرائيل بكل الوسائل عدا تلك التي من شأنها أن تنمي الحس الوطني، أي عدا الجيوش والأسلحة والخطط الدفاعة التي تجعل اللبنانيين شعباً وليس مجموعة من القبائل والطوائف، ولبنان وطناً وليس مجموعة من الفنادق والملاهي والاستراحات السياحية.
وفي بيروت وضواحيها، بل وفي مختلف أنحاء لبنان، ترتفع اللافتات والصرخات طالبة إلى هذا الحكم إياه أن يحمي الشعب في لبنان من ضربات “المجهولين” الذين يتراوح سلاحهم بين الاغتيال بالرصاص الصامت، والاختطاف بقوة الرصاص الملعلع ملء الريح.
وهكذا تتكامل الصورة المفزعة والمفجعة:
الحكم يطلب من يحميه، ويحمي بالنيابة عنه الوطن والمواطن،
والوطن مسيب، متروك لهجمات الذئب الإسرائيلي الجريح،
والمواطن يفتقد وطنه فيجده مضيعاً بين أيدي المفرطين والسماسرة والفريسيين، ويفتقد الحكم فيجده عاجزاً ليس فقط عن حمامية الحدود والجنوب، بل حتى عن حماية شوارع بيروت الرئيسية، ناهيك بضيوف لبنان اللائذين بديمقراطيته ومناخ الحرية فيه، وبكتابه ومفكريه الذين أسهموا في صنع اسمه العربي الكبير.
لم نتفق يوماً، في الرأي، مع ميشال أبو جودة،
لكننا، لألف سبب مبدئي بينها هذا السبب بالذات، نعتبر الاعتداء عليه اعتداء علينا.
فبيننا وبين ميشال أبو جودة علاقة جدلية واضحة: بمثله يبرر وجودنا ويكتسب رأينا قيمته الفعلية، ومن خلافه معنا يكتسب ميشال أبو جودة قيمته كمحلل للأحداث وصاحب وجهة نظر فيها.
وبعض قيمة لبنان إنه كان الساحة التي تتصارع فوقها الآراء جميعاً، وبالتحديد تلك الممنوعة في ساحاتها الأصلية، أو تلك التي لم ينعقد عليها إجماع اللبنانيين (وهم، للمناسبة، يكادون يمثلون بتعدد انتماءاتهم الفكرية، كل العرب).
لشد ما نفتقد الآن، ميشال أبو جودة،
إننا حتى في توجهنا إلى الحكم العاجز، ومطالبتنا له – عبثاً – بأن ينقذ ميشال من براثن خاطفيه، إن كان ما زال ثمة أمل في إنقاذه، نفتقد حقنا الشرعي في حكم قادر يستجيب لمطالب مواطنيه الذين يموتون بالرصاص (رصاص إسرائيل أو رصاص العصابات المأجورة، أو الرصاص الطائس) أو يموتون بالخوف من الموت بالرصاص!
.. لكننا على أي الأحوال، لن نخاف فنحجب رأينا،
رأينا الذي يخسر شيئاً من قيمته بغياب قلم ميشال أبو جودة ورأيه…