طلال سلمان

على الطريق ديمقراطية الأقليات في وجه الأكثرية

يراد لنا أن نصدق أنه لا بقاء بين العرب والديموقراطية، فحيث لا يكونون لا تكون، وحيث تكون لا يكونون! كأنما العرق العربي، أو الجنس العربي، قوة طاردة للديموقراطية، أو نافية لها أو لاغية لاحتمالات تفتحها وأثمارها وانتفاع الناس بخيرها!
ولفترة طويلة صورت الديموقراطية وكأنها اختراع يهودي أو إرث أو وقف ذري لإتباع التوراة والتلمود شأنها شأن أرض الميعاد وسائر “الحقوق الإلهية” لشعب الله المختار في فلسطين ومختلف أرجاء الكون!
ولم يسلم “بديموقراطية” بطل النظام الشيوعي الراحل غورباتشوف إلا عندما سلم بتهجير المواطنين اليهود في الإمبراطورية السوفياتية إلى إسرائيل،
ما علينا، لنلتفت إلى ما يخصنا…
في الأرض العربية تصور الديموقراطية على أنها امتياز غربي لطائفة أو لعرق، وعموماً بين حقوق الأقليات وليس بالمطلق حقاً من الحقوق الطبيعية للأكثرية،
في الجزائر، الآن، تبدو الديموقراطية وكأنها مطلب عرقي يختص بالأقلية من الجزائريين البربر، بل وتكاد تشهر كسلاح خطير في وجه الأكثرية.
الرمز الغربي للديموقراطية في جزائر ما بعد الانتخابات هو حسين آية أحمد، الذي انشق عن الثورة في لحظة انتصارها، واستمر منشقاً ونافياً نفسه إلى فرنسا التي “اخترعت” له لغة هجينة، لتوكيد القطيعة الكاملة بين أبناء الشعب الواحد في تاريخه وجغرافيته ودينه ووجدانه وتقاليده وطموحاته المشروعة وعلى رأسها الاستقلال والحرية والخبز مع الكرامة.
ولقد كان يمكن تمرير مثل هذه الكذبة لو أن حسين آية أحمد يخوض غمار النضال في وجه دكتاتورية عسكرية فاشية، أو في وجه حكم عنصري يضطهد البربر ويستبعدهم ويمنعهم من مباشرة حقوقهم كمواطنين.
أما أن يكون حسين آية أحمد الفائز في الانتخابات رمزاً للديموقراطية ويكون المنتمون على جبهة الإنقاذ الفائزون في الانتخابات التشريعية ذاتها غير ديموقراطيين بل معادين للديموقراطية وقمعيين الخ فهذا ما لا يقبله عقل، خصوصاً وإن صفوف هذه الجبهة تضم المتحدرين من أصول عربية كما من أصول بربرية كما من أصول شاوية طوارقية الخ من العناصر التي يتكون منها شعب الجزائر العربي المسلم بالهوية والانتماء والمصير الواحد.
إن “الديموقراطية” تغدو في هذه الحالة تمويهاً مكشوفاً للانفصالية وتآمراً صريحاً على وحدة الجزائر.
ومن قبل صوّرت الديموقراطية في العراق وكأنها مطلب بحت كردي لا علاقة للعرب به، بل هي عنوان “التحرر” من “الاستعمار العربي”!
في وقت واحد كانت أجهزة الأعلام الغربية تصم الانتفاضة الباسلة لعراقيي الجنوب بالمذهبية وتكاد تنكر عليها عروبتها ونزعتها المجللة بالدم إلى الديموقراطية والخلاص من حكم الطاغية المهزوم، في حين كانت هذه الأجهزة ذاتها تضفي على الانتفاضة الباسلة لعراقيي الشمال أوصاف حركة التحرر الوطني، وتعلن مساندتها وتسبغ عليها الحماية حتى لا يبيدها أعداء الديموقراطية من العرب!
حتى القتيل العربي دكتاتور، سفاح، عنصري ومعاد للديموقراطية،
وكما في الجزائر كذلك كان الأمر في العراق: لقد وظفت الديموقراطية لتمويه الانفصالية والانشقاق والتآمر على وحدة التراب الوطنيز
فالديموقراطية مطلب وحق للشعب كله، بفئاته جميعاً، الدينية منها والمذهبية والعرقية، ولا يمكن أن تتمتع بها فئة بينما تحرم منها سائر الفئات، وإلا تحولت إلى امتياز أجنبي يذكر بأشكال الحمايات التي كانت تمنحها الدول الاستعمارية لبعض فئات الشعوب المقهورة لتمكن للانفصالية باعتماد سياسة “فرق تسد” الشهيرة.
بالمقابل فإن الإنعام على الرعية بأشكال ديموقراطية مفرغة، عبر فرمانات ملكية سامية لا يعني إلا تغليف الدكتاتورية والتستر عليها حفظاً لسمعة الغرب والنظام العالمي الجديد لصاحبه الولايات المتحدة الأميركية بزعامة الديموقراطي الأوحد جورج بوش.
فلا بدعة “المجلسالوطني” في الكويت، التي تم اختراعها لطمس حقيقة إن “مجلس الأمة” المنتخب قد حل، وإن الدستور قد علق، حتى من قبل غزوة صدام، هي احترام للديموقراطية أو التزام بها، بل إنها شاعد على التنكر لها وتزيين صورة النظام في العين الأميركية ليمكن تسويقها لدى الناخب الأميركي وليس لدى المواطن الكويتي.
أما مجلس الشورى العتيد الذي يتجدد الحديث الملكي عنه في السعودية مرة كل عقد من الزمان، فحكايته أطرف وإن كانت أكثر إيلاماً… فهذا السراب الخادع يطرح في سوق التداول منذ ثلاثين سنة بالتمام والكمال، وثمة أطنان من الأحاديث الصحافية الملكية تركزت بعض محاورها على منحة مجلس الشورى، بل لقد حددت مئات المواعيد من قبل ثم تبخرت مع صهد الصحراء ولت تتأخر في انتظار “عاصفة الصحراء” التي إنما أطلقها الأميركيون دعماً للديموقراطية عند العرب.
دائماً يقدم النموذج الرديء عربياً، والمرفوض، لتوكيد القاعدة: إن الديموقراطية لا يمكن أن يتعيش حيث يكون العرب.
أما مع الأقليات فيكون النموذج حضارياً، مثقفاً، “يهدر بسبعة ألسن” كما حسين آية أحمد، أو كاكا جلال الطالباني.
وليس “ملوك” العرب هم الديموقراطيون، بلا ملايين الملايين من العرب، هم المقهورون وهم المضطهدون وهم المقموعون والمحرومون من نعمة الديموقراطية.
وما لم تحسم الأكثرية معركتها فتكسب حقها بالديموقراطية لن تكون الأقليات مطمئنة على حاضرها وغدها مهما بلغت أوهام الحماية الأجنبية لها من الجدية!
فكيف يعيش “بعض الناس” أحراراً في وطن مقهورة أكثريته؟!
وهل يتم إسقاط الديموقراطية للأقليات بالمظلات، كما مع صناديق التون والسردين والمعلمات الأخرى؟!
الديموقراطية قضية العرب الأولى، هي قضية حريتهم في أوطانهم، وهي قضية وحدة أوطانهم قبل الحديث عن وحدتهم القومية.
… ولا يهم أن يرى الغرب في انتصار الأكثرية بالديموقراطية ممارسة عنصرية تستهدف الأقليات وتشكل خطراً عليهم،
فالخطر على الأقلية هو هو الخطر على الأكثرية سواء أكان حكماً دكتاتورياً (ملكياً أو جمهورياً لا فرق)، أو كان استعماراً آتياً من وراء البحار.
وطريفة هي مفارقة أن يكون مضطهد الأكثرية وقاهرها هو حامي الديموقراطية وبطلها الأوحد!

Exit mobile version