مظلوم هو إقليم الخروب،
لماذا هو “إقليم” و”إقليم” من ماذا؟! ولماذا الخروب يغيب الرجال وتاريخ الرجال؟!
مظلوم “الإقليم” : هو “شيء” ضائع بين الشوف وبين صيدا، ونادراً ما تعترف به بيروت، فكيف بسائر المناطق؟!
مظلوم إقليم الخروب… مظلومون أهله ومظلومة قراه: لا اسم له ولا عنوان حين يكون الحديث عن الرئاسات والمناصب، عن الوجاهات والمكاسب، بينما بالكاد يذكر غيرها حين يصير الحديث عن التضحيات. عن الصمود، عن المبادئ، عن المواقف الوطنية والقومية.
لكن الزعامات، وفي الإقليم كما في غيره، تحجب تلك الكثرة الكثيرة من الناس البلاد أسماء، أو الذين يصعب حفظ أسمائهم المدببة.
… وهم، هناك، يتعزون: لأن صفاتهم هي الغالبة على أسمائهم، الشهيد، المناضل، المقاوم، المجاهد، المقاتل.
كذلك فهم يفخرون بأن أسماء التنظيمات تغطي على أسمائهم الشخصية، فالحزب أو الجبهة أو الحركة أبقى وأنفع للقضية، وطالما ذكرت فقد ذكروا جميعاً.
من بين قرى الإقليم ودساكره جميعاً تتميز برجا بموقع الطليعة وفي أكثر من مجال…
بين كل عشرة شهداء، على امتداد “الحروب” اللبنانية، هناك واحد على الأقل من برجا،
فبرحا حاضرة عبر الموت أكثر مما يحضر غيرها بحياته… الموت من أجل القضية، من أجل الأمة، من أجل العقيدة، من أجل الفكرة الواحدة بغد أفضل.
وأمس، حين دفعت برجا ثمن الاعتداء الإسرائيلي الجديد من لحم نسائها وأطفالها، إضافة إلى الرجال، لم ترفع صوتها بالشكوى ولا بالأنين: فهي لا تتوقع من العدو غير الاعتداء، ثم إنها لا تطلب من “دولتها” أو من “الدول” البديلة، لا الشكر ولا الجزاء.
هي برجا، لهذا نذرت رجالها ونساءها والأطفال.
وتلك هي إسرائيل. العدو.
وليس بين الاثنين إلا لغة الدم.
وإذا كانت إسرائيل، العدو، هي الأقدر الآن، فبرجا تأمل أن تجيء اللحظة التي ينتصر فيها الدم على السيف،
تماماً مثلها مثل كل الأرض المحتلة، أو تلك المهددة بالاحتلال…
وهي مثل البيرة ورام الله، مثلها مثل أم الفحم والشجرة، مثلها مثل القدس والمخيمات في بلاطة وجباليا وقلقيلية والأمعري.
ورسمية خليل إبراهيم مشيرفة التي وهبت دمها للأرض والقضية، في برجا لبنان، يوم أمس الأول، هي الأخت الشقيقة لهنية سليمان التي وهبت دمها للأرض، “الرام”، وللقضية في فلسطين يوم أمس.
إنه رباط الدم بين أبناء القضية الواحدة الذين يهددهم بل ويقتلهم العدو الواحد،
… ولغيرنا أن يتسلى بموضوع الطواف: كيف ولماذا ومن واين،
ولغيرنا أن نسأل ويتساءل: لماذا لم تثر “الطوافة” الأخرى، طوافة رشيد كرامي، مثل هذه الضجة، فلم تتحرك القيادات ولم تعلن الاستنفارات ولم تحدد هذه المنطقة أو تلك منطقة عمليات ومسرحاً للعمليات العسكرية (؟!).
لغيرنا أيضاً أن يحدد كم من الألوية والطوافات (والفرقاطات) تستحق كل طائفة، وكل مذهب من المذاهب في لبنان،
أما نحن فعيننا على العدو، نعرفه أنه مصدر كل خطر، على النساء والرجال والأطفال، على المصير وحلم الوطن، على الشعب والأمة والهوية،
والهوية لا تصنعها الطوافات،
والقضية يصنعها أبطالها وليس الأبلغ في الخطابة أو في الكتابة أو في طلب النجدات،
والجيش الذي يقاتل شعبه ولا يقاتل العدو ليس جيشنا،
والطوافات المخصصة لنقل الذوات والعشيقات والزوجات والسماسرة لا تخصنا من قريب أو من قليل، بل هي تجعلنا نخفض رؤوسنا كلما ارتفعت، مثلها مثل طائرات العدو الإسرائيلي.
إننا ضد جيوش الطوائف أينما كانت، في الشرقية أو في الغربية،
وضد الذين يقاتلون غير العدو،
وإسرائيل تعرف هذه الحقيقة وتعيها جيداً: ولهذا فهي تضرب وتقتل الذين نذروا أنفسهم لقضية التحرر والتحرير سواء أكانوا في برجا أم في البيرة أم في المسافة الفاصلة – الرابطة بينهما.
وإسرائيل لا تقاتل الطوائف أو المذاهب، لأنها تعرف أن هذه الطوائف والمذاهب قد تقتتل في ما بينها ولكنها لا تقاتل،
وبعد استشهاد برجا آن لنا أن ننصف المقاتلين فلا يذهب أهل برجا وكأنهم ضحية الطوافة،
إنهم شهداء في مواجهة العدو،
ومواجهة العدو هي القضية، وما عداها تفاصيل سخيفة بدءاً بحكاية الطوافة وانتهاء بصراعات الطوائف وتباهيها بعدد الطوافات التي تملكها كل منها!!