أصعب من مفاوضة العدو، مفاوضة العرب للعرب!
كيف تقنع أخاك أن عدو “ك” لا يمكن أن يكون “حليف..”ـه”؟!
وكيف تقنع نفسك بأن أخاك ليس حليف عدوك، وأن توهمه بأن هزيمتك نصر له هزيمة إضافية لكليكما؟!
وكاريكاتورية إلى حد المأساة محاولة “اللبناني”، مثلاً، إقناع “الفلسطيني” إن الإسرائيلي عدوه، وإن الجلوس إلى طاولة واحدة لا يعني تماماً الاعتراف أو التسليم بالحقوق الوطنية الثابتة والإقرار بحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة!
ومأساوية إلى حد الهزل محاولة “المصري”، مثلاً، إقناع “الأردني” إن الإسرائيلي عدوه، وإن تبادل الاعتراف (والسفراء) والتطبيع الاقتصادي والسياحي وفتح الحدود لا يعني السلام ولا يوصل إلى الاستقرار ولا خاصة إلى الازدهار والرخاء بل حتى توفير الخبز ولو من دون كرامة.
أما سخرة المساخر فهي محاولة إقناع “السعودي” خصوصاً و”الخليجي” عموماً بأن من لم يحارب، لعذر أو لظرف قاهر أو للتقاعس، فلا حق له في أن يقرر مصير الشهداء وبيع أجداثهم وشواهد القبور.
ومع التقدير للكفاءات العالية التي اكتشفها الأميركيون في بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وهي غير التي اكتشفها فيه أبوه وعمه واله جميعاً، فليس من حق هذا “الفرخ” أن يبيع أرض “أخوانه” وحقوقه فيها وأحلام أطفالهم في غد أفضل.
وبالتأكيد فلا الأميركي ولا خاصة الإسرائيلي بحاجة إلى هذا الجهد الممتاز يبذله هذا الأمير الذي ارتضى – ربما لعقدة في نشأته – أن يتحول إلى “سكرتير” لموفد مجلس التعاون الخليجي (المتبرع هو الآخر) إلى مؤتمر مدريد، فقط لكي يتأكد من سقوط أمته ولكي يعود إلى “أصدقائه” بشيء من دمها على كتفيه إضافة إلى ما قد يعلق بيديه البيضاوين!
إن مفاوضة العربي للعربي، نيابة عن العدو وباسمه، أقسى بكثير من مفاوضة العدو مهما كان صلفاً ومتطرفاً ومتجبراً ومتمسكاً بمشروعه الإمبراطوري.
إن مثل هذا “العربي” أخطر من العدو ذاته، بل إن العدو يقاتل العرب منذ فترة بعيدة بهذا الخارج عليهم الذي يزين لهم الانحراف والتفريط والهوان باعتباره باب السلامة: “احموا عروشكم بأرضكم! احموا رؤوسكم بشعبكم، فأما أنتم وأما هي وهم”!!
والمفاوضة معه أقسى بشروطها وأمر بنتائجها من المفاوضة مع العدو، بل إنها بعض مصادر الضغط وبعض أسباب الإكراه في المفاوضة الأخرى، التي يذهب إليها معظم العرب مسبوقاً بالرغبة، وبعضهم مأخوذاً بالرهبة، وأقلهم يُساق إليها سوقاً وبالإكراه.
ليس السلام هو ذاك الذي يطلبه ويعمل له “البنادرة” الغرب،
إنه الاستسلام، وليس له اسم آخر،
وأول الطريق إلى الاستسلام تفكيك ما تبقى من التضامن، وفي حده الأدنى، بين الأطراف المعنية،
وهذا ما فعله “بنادرة العرب” بالأمس، وهذا ما يفعلونه اليوم في القاهرة، وما سيفعلونه غداً في واشنطن أو وليامسبورغ أو أي بديل آخر لمدريد التي شكلت عودة إلى العرب إلى إسبانيا ولكن من باب … العبيد!
ملاحظة: يخطئ من يسيء تفسير التظاهرات التي استقبلت الوفد الفلسطيني المفاوض على مدخل أريحا، وكأنها تهليل “للسلام بأي شرط”.
إن كثيرين رأوا في الكفاءة المهنية التي أبداها الوفد أول مشاركة فلسطينية فعلية في الحرب ضد العدو الإسرائيلي وليس خروجاً منها، كما يريد أن يفهم “بنادرة” العرب في الداخل والخارج!