أقصر طريق إلى الزعامة الطائفية في لبنان: تعطيل القرار الوطني! وغالباً ما جرى القفز إلى سدة السلطة في الدولة من موقع المعطل الطائفي للقرار الوطني… أي لقرار قيام الدولة!
و”الحاكم” في لبنان يستشعر باستمرار ضعفاً تجاه التطرف الطائفي يدفعه إلى التورط في التنازل أمامه، وإلى مزيد من التنازل بحيث ينتهي الأمر بأن يغدو “المتطرف” حاكماً من موقع “المتحكم” و”المعتدي” على الشرعية، ويصبح “الحاكم الشرعي” مجرد ناقل للسلطة، أو شاهد زور عذره في ضعفه الفاضح،
“خذ من الدولة واعط للخارج عليها فترضى عنك الطائفة وتنزلك في مرتبة “الأبطال” أو “القديسين”، ولا يهم أن تصبح الدولة التي ائتمنت عليها في خبر كانز
“وأين الرئيس” بكل ألقاب الفخامة، من القديس أو البطل؟! أفلست ترى إن التاريخ ضعيف الذاكرة أمام الرئاسات وشاغليها بينما ينقش على صفحاته بأحرف من نور أسماء القديسين وتلك النخبة المختارة من الأبطال الخالدين”!؟
كل ما تأخذه من الدولة للطائفة يقربك من مجد البطولة،
وكل ما تأخذه من الطائفة إلى الدولة يجعلك مارقاً أو مرتداً أو عميلاً وأداة للخارج الطامع في… دولتك إياها!!
الآن الدور على بيروت الكبرى، كموضوع لابتزاز الدولة باسم الطائفة التي سرعان ما يتم تلخيصها بشخص واحد نجح في تعيين نفسه القيم على قرارها والناطق باسمها في الحكم والشارع وكما على الأرض كذلك في السماء الآن وعلى الدوام وإلى دهر الداهرين، آمين!!
كانت البداية مؤتمر الطائف: فاتورة الموافقة على مبدأ انعقاده، أولاً،
ثانياً: الموافقة على سفر النواب (الذين ما استمروا نواباً إلا فيه وبفضله)، وهذه فاتورة أخرى،
ثالثاً: “الحروب” التي خاضها النواب بقيادة هاتفية مفتوحة مع “المجلس الحربي” لإنجاح المؤتمر باتفاق الطائف الشهير، وهذه فاتورة ثالثة،
رابعاً: العودة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية!
خامساً: عدم الاعتراض، ومن ثم الموافقة، على قيام حكومة الوفاق الوطني وانالتها الثقة!!
سادساً: معركة إقرار التعديلات الدستورية بكل تفرعاتها من تأمين النصاب واستقدام الغائبين (نواب باريس!) ضمان الاجماع وأخيراً التوقيع والنشر الخ…
سابعاً: معركة إسقاط التمرد!
ثامناً: قيام بيروت الكبرى!
لكل إنجاز فاتورته وعلى الدولة أن تدفع بغير نقاش لصاحب الفضل الذي لولاه (!!) لما كانت قد ظهرت إلى الوجود،
فهل يستكثر على هذا الذي أخذ من الطائفة ليعطي الدولة أن يسترد من الدولة ما يكرسه الممثل الشرعي الوحيد للطائفة، وهو من هذا الموقع بالتحديد قد أعطاها وحماها ومكنها من القيام وما كانت من دونه لتقوم؟!
لولا بعض التواضع لقال إنه هو خالق الدولة من عدم،
ولولا بقية من حياء لا حل نفسه محل الولايات المتحدة الأميركية (ومعها الغرب كله، والشرق أيضاً) ومحل العرب جميعاً، وبالتحديد سوريا ومعها اللجنة الثلاثية بالسعودية فيها والجزائر والمغرب، ومحل الأطراف اللبنانيين جميعاً على تعددهم،
من هنا يمكن فهم مسألة المتنين، والموقف الابتزازي النافر في موضوع بيروت الكبرى،
إنها العملة القديمة ذاتها تطرح للتداول وإن اختلف أسلوب العرض:
فكل قرار يسهل قيام الدولة وهو تنازل ماروني عن بعض أملاك أو اقطاعات الطائفة،
وبمعزل عن إن مثل هذا المنطق يؤكد هيمنة الطائفة على الدولة (سابقاً على الأقل) فإنه يسيء إلى صورة الطائفة وإلى موقعها الجديد في الدولة العتيدة،
لكأنما كانت الطائفة المعطل الفعلي لقيام ادلولة،
وإلا فما معنى اعتبار التراجع أمام الجيش وإخلاء الأرض من مسلحي الطائفة لحساب قوة التوحيد الشرعية منة مارونية على الحكم والعرب والمجتمع الدولي؟!
وما معنى الإصرار على فرض استمرار الانقسام الطائفي على الجيش في اللحظة التي يحاول أن يتطهر من هذه الأفة التي أعاقت على الدوام نموه وعطلت دوره الوطني المرتجى؟!
وكيف تستوي تلك المعادلة التي تحاول أن تفرضها “القوات اللبنانية”: الأعظم تطرفاً داخل طائفته هو الأعظم حرصاً على قيام الدولة حتى لو كانت دولة كل الطوائف؟!
إن هذا المنطق المعوج يعيد تثبيت مجموعة المفاهيم المغلوطة البالية ومنها:
*إن رئيس الجمهورية (وسائر المسؤولين المسيحيين) مفرط حتى يثبت العكس، وهو بحاجة يومية إلى براءته من التفرطي مصدرها قيادة التطرف الماروني سواء أكانت حزباً (الكتائب) أم شخصاً (كميل شمعون في فترة وبشير الجميل في فترة أخرى) أم تجمعاً (الجبهة اللبنانية) أم جهة راعية (الرهبانيات ومن خلفها الفاتيكان وفرنسا، في السابق على الأقل).
*إن أي تطوير للنظام أو تعديل فيه يعزز مكانة الدولة على حساب الطوائف هو انتصار “إسلامي” على “المسيحية” والمسيحيين عموماً، وفي بلد هش توازنه كلبنان لا يستقيم الأمر مع غالب “مسلم” ومغلوب “مسيحي”، ولا بد إذن من التراجع عن أي تعديل للحفاظ على تابوت “لا غالب ولا مغلوب” ليحيا النظام وتبقى هيمنة الطائفة!
*لا بعد من تغييب الدولة لاستحضار الطوائف من أجل تعطيل التسوية، أو لفرض تشوهات عليها تحولها إلى قنبلة موقوتة بدل أن تكون هدية عيد الميلاد.
واليوم امتحان سهل نسبياً للدولة والحكم فيها ولاسيما من يمثل المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً،
فبيروت الكبرى عاصمة موحدة للدولة الموحدة، وليس لأية طائفة،
والجيش هو الجهاز الأكثر حضوراً وتجسيداً لفكرة الدولة وليس لطائفة بعينها، وما تزال قوته الضاربة حتى الآن من لون يفترض أن “تطمئن” إليه الطائفة وإن كان يقلب من اشتبك معه من موقع طائفي،
القاعدة: إنه ليس لأحد حق الفيتو أو الاعتراض على غيره أو حق ادعاء تمثيل طائفة أو منطقة بالذات،
ومن باب أولى أن لا يكون لأحد حق الفيتو على قيام الدولة، وانطلاقاً من عاصمتها الموحدة التي تحفظ ذاكرتها أسماء الذين تعاقبوا على محاولة تدميرها بالتقسيم كما بالمدفعية الثقيلة!