“من أهالي حانين – قضاء بنت جبيل – محافظة الجنوب في لبنان
“إلى السيد الرئيس حافظ الأسد في قصر المهاجرين – بدمشق – الجمهورية العربية السورية
“كما الآخرون أبرقوا إليك، ها نحن نبرق، كما الآخرون استغاثوا بك هذه استغاثتنا مكتوبة بالدم، دم الذين استشهدوا منا والذين ينتظرون،
نحن، آلا جحا واسم شهيدنا محمد حسين جحا،
وآل علي، واسم شهيدنا علي محمد حسين علي
وآل سويدان ، وشهيدتنا زوجة سامي سويدان
وآل الحاج علي، وشهيدنا هو خليل إبراهيم الحاج علي.
… والأسر الأخرى في حانين، تلك التي لها أسماء معروفة وتلك البلا أسماء في هذه القرية – التخم القائمة على الحد الفاصل بين الوطن المغتصب ومغتصبي الوطن،
… والمنازل الترابية السطوح والتي سقوفها من خشب،
… والأشجار المدبوغة غصونها بملامسات الأيدي والزنود، الشهية ثمارها المجيول عسلها بتعب الرجال وعرق جباههم السمراء،
… والذكريات الحميمة: ملاعب الصبا ومراتع الأطفال ولعبهم الساذجة والرخيصة،
هؤلاء جميعاً، يستغيثون ويستنصرون من لا يستنصر غيره: الرئيس حافظ الأسد، ويستصرخون ضميره وحميته العربية الأصيلة،
كلهم، كلهم يرفعون الصوت بالنداء: واحافظاه!
وكلهم، كلهم يهتفون: البدار، البدار! النجدة، النجدة! إنهم يقتلوننا جماعياً، أيها السيد الرئيس! إنهم يحرقون منازلنا ويشردون النساء والأطفال والعجائز، أيها الرفيق القائد!
كانت الدبابات إسرائيلية والكتابة عليها عبرية تحف بالأرزة الكتائبية، أرزة الله والوطن والعائلة المقدسة.
أما المقاتلون فلبنانيون، تم استيرادهم من جونية عاصمة “لبنان الحر”، عبرعيون السيمان – جزين وغيرها من الأرض “المحررة” أو بحراً بواسطة الزوارق الحربية الإسرائيلية.
ولقد جيء بهم إلى هنا، أيها السيد الرئيس، لإكمال طوق الحصار على مشروع الوطن، لبنانياً كان أم فلسطينياً، وعلى إرادة التغيير سواء أبلغت حد الثورة المسلحة أم اقتصرت على الدعوة إلى إصلاح قانون الانتخاب!
ولأن حانين على الطريق إلى الوطن كما إلى فلسطين، طريق القاصدين إليه – إليها أو الهاربين منه – منها، فقد اجتاحوها وذبحوا بيوتها والشجر والذكريات وطيور السمرمر المعششة في حيطان الطين.
وهانحن أيها السيد الرئيس نتوجه إليك: إن أغثنا كما أغثت عينطورة وكل المتنين ومن قبلها عندقيت وكل عكار وزحلة ودير الأحمر وكل البقاع، وكما أغثت بعدها بحمدون وشانيه والقرية ولبعا وحيطورة وكفرفالوس وعين المير الخ…
لن نناقش، أيها السيد الرئيس، لماذا وكيف أغثت بعض اللبنانيين دون البعض الآخر. لن نتفلسف فنسأل عن النبعة، مثلاً، أو المخيمين الشهيدين جسر الباشا وتل الزعتر،
لعلها السياسة، ونحن مجرد فلاحين فقراء أميين بأغلبيتنا الساحقة لا نفهم في السياسة ولا في الحرب ولا علاقة لنا بالأحزاب أو بمؤتمرات القمة،
لكننا، على أميتنا، نعرف إن إسرائيل عدو، بل هي العدو. ونعرف إن سوريا عربية بل هي – كما تعلمنا في الصغر – قلب العروبة النابض. ونعرف إن جيشها هو عدتنا وهو الدرع والحصن والملاذ، وهو هو الذي لا بد سيحمينا من إسرائيل وأطماعها المعروفة في الجنوب ومياهه وأرضه الخصيبة،
وهكذا نفترض أن تكون حانين موقعاً طبيعياً للجيش السوري، إذا ما دخل لبنان وهو قد دخل. ولقد سبق إن صدق افتراضنا هذا مع المقاومة الفلسطينية ففتحنا بيوتنا والقلوب لرجالها، وأشركتنا هي في الشرف العظيم: شرف صنع الوطن – الحلم.
وفي تقديرنا إن ما حصل لنا في حانين ما كان ليحصل لو إن الجيش السوري أمر بالتوجه إلى فلسطين، عبر الجولان أو عبر جنوب لبنان، لا فرق،
فالطريق إلى فلسطين واحدة، أيها السيد الرئيس، وحانين نقطة صغيرة على الطريق ولكنها مؤشر على سلامة الاتجاه كما على الخطأ.
وطالما إن الدبابات الإسرائيلية هي التي أتت إلى حانين وليس الدبابات السورية، فأنتم إذن من أضاع الطريق أو تاه عن الهدف.
النجدة، النجدة، يا سيادة الرئيس!
إن قدومك إلينا هو المجد. تأتي فتأخذ منا ومن فلسطين، وتذهب إلى مدن أخرى فتأخذ منك فلسطين وسوريا ولا تعطيك لبنان.
من حانين نخاطبك، وإلى حانين ندعوك،
وحانين صغيرة صغيرة على “القمة”، لكن أي “قمة” لا تعرف حانين وما حل بحانين لن تكون كبيرة حتى لو شارك فيها أباطرة الأرض جميعاً،
ونحن، بحكم وجودنا على الحدود، ما زلنا نذكر إن فلسطين (الماساة – الكارثة – النكبة – الهزيمة الخ) بدأت بغارات دموية كالتي نفذت في قريتنا بينما سيادتكم في عمان… في الطريق إلى الرياض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته من منتظري نجدتكم… مع كل الحنين إلى أرضنا المباركة في حانين”.